أخبار اليوم. يأتي الحديث عن تجربة النائب أبو المعالي ولد منان في سياق محلي معقّد، تتحكم فيه اعتبارات التاريخ الاجتماعي، وثقل الشرعية التقليدية، وحدود التمثيل السياسي بين العام والخاص. وهي اعتبارات جعلت من العمل النيابي، في مقاطعة مقطع لحجار تحديدًا، مجالًا شديد الحساسية، لا يُقاس فيه الأداء بالكفاءة وحدها، بل بمدى الانسجام مع الحواضن الاجتماعية، والوفاء لانتظاراتها الأخلاقية والرمزية.
فمقطع لحجار، رغم ارتفاع نسبة المتعلمين فيها مقارنة بعدد من المقاطعات الأخرى، ورغم تنوعها الاجتماعي وكون شريحة البظّان تشكل نسبة معتبرة من سكانها، ما تزال تعيش مفارقة واضحة: تعليمٌ متقدم نسبيًا، يقابله استمرار قوي لمنطق الشرعية التقليدية، بوصفها المحدِّد الأبرز للتمثيل والمشروعية. وفي هذا السياق، يُتوقع من الإطار أو المنتخب أن يكون، قبل كل شيء، ممثلًا لأسرته أو جماعته، بل وقد يُنظر إلى خروجه عن هذا المنطق باعتباره إخلالًا بواجب أخلاقي غير مكتوب.
هذه القاعدة غير المعلنة جعلت كثيرًا من أطر ومنتخبي المقاطعة، المعروفين أصلًا بحرصهم الأخلاقي على حواضنهم الاجتماعية، عاجزين عن تعميم النفع، أو عن تحويل مواقعهم التمثيلية إلى أدوات خدمة عامة تتجاوز الدائرة الضيقة. وغالبًا ما أدّت تصفية الحسابات مع التاريخ، واستدعاء الذاكرة الاجتماعية في لحظات التنافس، إلى إجهاض فرص بناء تمثيل جامع، وإلى تعطيل أثر الكتلة المتعلمة في إحداث تغيير فعلي.
وسط هذا المشهد، يبرز أبو المعالي ولد منان بوصفه استثناءً لافتًا. فهو لا ينتمي إلى السياسة الصدامية، ولا إلى الشعبوية الخطابية، بل اختار مسارًا هادئًا يقوم على التوازن، والانفتاح، والابتعاد عن التقوقع المجتمعي. وقد كان واضحًا، منذ مأموريته الأولى، نفوره من أن يتحول من نائبٍ للمقاطعة إلى ممثلٍ لجماعة بعينها، حتى عندما حاول بعض أنصاره دفعه في هذا الاتجاه.
هذا الخيار لم يكن بلا كلفة. فقد فوّت فرصًا للتموضع كقائد استقطابي محلي، وتخلى عن مبادرات حين شعر أن تنفيذها قد يُساق في اتجاه لا ينسجم مع قناعته بالتمثيل العام، كما حدث في ملف التعليم. غير أن هذا السلوك، الذي قد يُؤخذ عليه بوصفه حذرًا أو ميالًا لتجنب الصدام، يعكس في جوهره وعيًا بطبيعة المقاطعة، وحاجة نسيجها الاجتماعي إلى حد أدنى من التوافق والاستقرار.
ويُحسب لأبو المعالي، كما أشار أسلم ولد أحمد سالم، أنه استطاع أن يحافظ على مسافة عقلانية من الشرعية التقليدية دون أن يدخل في قطيعة معها، وأن يمارس استقلاله في القرار مستفيدًا من استقلاله المادي، لا في خدمة مصلحة ضيقة، بل في حماية صورة نائب يسعى إلى تمثيل متوازن، يحترم التنوع ولا يستثمر الانقسام.
إن استثنائية أبو المعالي ولد منان لا تكمن فقط في هدوئه أو أسلوبه البرلماني، بل في قدرته على الاشتغال داخل بنية اجتماعية لا تكافئ عادة هذا النوع من السلوك. فهو نموذج لمحاولة، ربما غير مكتملة، للانتقال من منطق “الشرعية الموروثة” إلى منطق “التمثيل العام”، ومن نائب الجماعة إلى نائب المقاطعة.
وبهذا المعنى، لا يمكن قراءة تجربته خارج سياقها، لكنها تظل مع ذلك إشارة مهمة إلى أن التمثيل التوافقي ليس ضعفًا بالضرورة، وأن تجاوز الحاضنة الاجتماعية دون التنكر لها يظل خيارًا ممكنًا، وإن كان نادرًا. وربما يكون أبو المعالي ولد منان، في هذا الإطار، نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه السياسة المحلية حين تتحرر، ولو جزئيًا، من أثقال التاريخ ومنطق الاصطفاف.
