قراءة قانونية في جدل تعيين مديرة مدرسة
أثار تعيين إحدى قريبات وزيرة التربية مديرةً لمدرسة موجةً من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، اختلط فيها النقاش المشروع حول محاربة الزبونية بتعميماتٍ انفعالية تفتقر إلى الإسناد القانوني. والحال أن أي نقاشٍ جاد في هذا الشأن لا يستقيم إلا بالعودة إلى النصوص الناظمة للوظيفة العمومية، لا إلى الانطباعات ولا إلى منطق الإدانة بالقرابة.
أولًا: سلطة التعيين وحدودها القانونية
ينص التنظيم الإداري لقطاع التعليم على أن تعيين المعلمين في وظائف الإدارة المدرسية – سواء داخل الوطن أو خارجه – لا يتم عن طريق مسابقات ولا يخضع لإعلانات عامة، بل يندرج ضمن الصلاحيات التقديرية للوزير الوصي، شريطة احترام الضوابط القانونية المعروفة، وفي مقدمتها:
الانتماء إلى السلك المعني،
توفر الأقدمية والكفاءة المهنية،
الخلو من العقوبات التأديبية المانعة من الترقية، ولا سيما العقوبات من الدرجة الثانية وما فوقها.
وبالرجوع إلى الوقائع المتداولة، فإن المعنية بالتعيين تتوفر على أقدمية تناهز ثمانيةً وعشرين عامًا، ولم يثبت في حقها أي جزاء تأديبي يمنعها قانونًا من تولي وظيفة إدارية. وعليه، فإن شرط المشروعية الشكلية والموضوعية قائمٌ دون لبس.
ثانيًا: القرابة في ميزان القانون
من حيث المبدأ، لا يوجد في التشريع الإداري ما يجعل القرابة مانعًا تلقائيًا من التعيين، ما لم يثبت اقترانها بمخالفة صريحة للنص أو مساس بمبدأ تكافؤ الفرص. فالقانون لا يُجرّم صلة الرحم، ولا يُسقط الحقوق الوظيفية بسببها، وإنما يجرّم استغلال المنصب للإخلال بقواعد الاستحقاق.
والقول بخلاف ذلك يُفضي إلى منطقٍ معكوس، مؤدّاه أن الموظف يُحرم من حقه لا لعدم كفاءته، بل لانتمائه الأسري، وهو ما يشكل تمييزًا سلبيًا لا يقل خطورة عن المحاباة التي يُفترض محاربتها.
ثالثًا: عبء الإثبات ومعيار الإدانة
الأصل في القرارات الإدارية هو قرينة المشروعية، ولا تُهدم هذه القرينة إلا بدليلٍ قانوني قاطع، لا بالتشكيك ولا بالتداول الافتراضي. فمن يدّعي وقوع محاباة ملزمٌ بإثبات أحد الأمور التالية:
تجاوز نص قانوني واجب التطبيق،
تعيين شخص غير مؤهل على حساب من هو أقدم أو أكفأ،
أو وجود منفعة غير مشروعة مترتبة على القرار.
أما الاكتفاء بإثارة القرابة بوصفها دليلًا قائمًا بذاته، فهو خلطٌ بين الأخلاقي والقانوني، لا يستقيم مع أبسط قواعد العدالة الإدارية.
رابعًا: بين الرقابة المشروعة والفوضى الاتهامية
إن الرقابة على قرارات المسؤولين حقٌّ مشروع، بل ضرورة ديمقراطية، غير أن تحويل كل ممارسةٍ إدارية إلى محل اتهامٍ مسبق، يفضي إلى إضعاف مؤسسات الدولة، ويكرّس مناخًا يُدان فيه المسؤول لا على أساس فعله، بل على أساس صلاته الاجتماعية.
فالدولة لا تُدار بمنطق “الاشتباه الدائم”، وإنما باحترام النص، وتفعيل آليات الطعن القانونية، لا محاكم التواصل الاجتماعي.
خاتمة
إن الدفاع عن مشروعية هذا التعيين – متى استوفى شروطه – ليس دفاعًا عن شخص الوزيرة، بل دفاعٌ عن قاعدة قانونية راسخة:
> الحقوق الوظيفية لا تُصادَر بالقرابة، كما لا تُمنَح بالمحاباة، وإنما تُقاس بميزان النص والاستحقاق.
وأي إخلال بهذا الميزان، إن ثبت، فالقانون كفيل بمعالجته، بعيدًا عن الشعبوية، وقريبًا من دولة الحق والمؤسسات.
