إصلاح التعليم في موريتانيا: اختلالات النشأة وتحديات العدالة في الأداء

author
0 minutes, 0 seconds Read

 

أخباراليوم.    لا  يمكن مقاربة واقع التعليم في موريتانيا بمعزل عن مساره التاريخي والسياسي، إذ تشكّلت اختلالاته البنيوية في سياق صراعات ورهانات لم تكن المدرسة في صلب أولوياتها، فتحوّل التعليم من رافعة لبناء الدولة إلى مجال هشّ للتجريب، وفضاء تتقاطع فيه الاعتبارات السياسية مع القرارات التربوية.

انقلاب 1978 وبداية الانقسام البنيوي

شكّل انقلاب 1978 نقطة تحوّل في مسار التعليم، حيث أُنشئ معهد اللغات الشعبية (البولارية، الولفية، السوننكية)، في سياق سياسي خاص، لا في إطار رؤية تربوية وطنية شاملة. ومنذ ذلك الحين، انقسم التعليم العام إلى مسارين: تعليم عربي وتعليم مزدوج.

اعتمد النظام التعليمي صيغة غير متكافئة، حيث كانت السنتان الأولى والثانية من التعليم الابتدائي تُدرَّسان بالعربية للجميع، وفي نهاية السنة الثانية يُمنح التلاميذ الزنوج خيار مواصلة التعليم بالعربية أو التحول إلى التعليم بالفرنسية، بينما لا يُمنح هذا الخيار للتلاميذ العرب، الذين يُلزَمون بمواصلة تعليمهم بالعربية. وقد اختار أغلب التلاميذ الزنوج المسار الفرنسي، وظل هذا الترتيب قائمًا حتى سنة 1999.

هذا النموذج، الذي افتقد إلى مبدأ المساواة، أسّس لانقسام لغوي مبكر داخل المدرسة، وكرّس ازدواجية تعليمية غير متوازنة، كانت من أبرز أسباب تعقّد الإصلاح لاحقًا.

من «التعليم للجميع» إلى تعميم الهشاشة

مع نهاية التسعينيات، وفي إطار ترجمة هدف «التربية للجميع 2000»، جرى اعتماد شعار «التعليم للجميع» بوصفه مدخلًا للتمويل أكثر منه مشروعًا إصلاحيًا وطنيًا. رافق ذلك إدخال مقاربة الكفايات دون تهيئة شروط نجاحها من حيث التكوين، والتأطير، والبنية التحتية.

وفي السياق نفسه، أُعيد إنتاج التعليم المزدوج، حيث تُدرَّس العلوم والرياضيات بلغة المستعمر، في ظل نقص واضح في الكفاءات المؤهلة، ما دفع إلى حلول استعجالية أضعفت جودة التعليم، ورسّخت الارتجال بدل التخطيط.

التوسع الكمي وتراجع المكانة المهنية

تحت ضغط المؤشرات الدولية، توسّع النظام التعليمي كميًا عبر فتح مدارس جديدة دون مراعاة الجودة ولا التأطير، ما أدى إلى اكتتابات غير مضبوطة، وتغيّر تدريجي في صورة المعلم، حيث فقدت المهنة كثيرًا من رمزيتها، وأصبحت في نظر البعض خيارًا اضطراريًا لا يتطلب كفاءة عالية.

وترافق ذلك مع تمييع أطر التأطير التربوي، بما أضعف دورهم في الضبط البيداغوجي، والمتابعة، والتقويم، وهو ما انعكس سلبًا على الأداء العام للقطاع.

أطر التعليم الأساسي: حلقة مهملة في سلسلة الإصلاح

رغم أن التعليم الأساسي يمثل القاعدة العريضة للنظام التعليمي، فإن أطره — من مفتشين ومستشارين تربويين — يعانون منذ سنوات من ضعف التحفيز، وقلة الإنصاف في التعيينات، واختلال التوازن في توزيع المسؤوليات.

إن تهميش هذه الفئة لا يضر بها وحدها، بل ينعكس مباشرة على جودة التعلمات، واستقرار المؤسسات، ونجاعة أي إصلاح معلن. فالإصلاح الحقيقي يبدأ من القاعدة، ولا يمكن أن ينجح دون تمكين أطر التعليم الأساسي، وتحفيزهم ماديًا ومعنويًا، وإشراكهم في التخطيط واتخاذ القرار.

العدالة في التعيينات شرط للثقة المؤسسية

تظل العدالة في التعيينات والترقيات حجر الزاوية في أي إصلاح جاد. فحين يشعر الفاعلون التربويون بأن الكفاءة والخبرة هما معيار المسؤولية، تتعزز الثقة في المؤسسة، ويستعاد الانتماء المهني. أما حين تطغى معايير غير مهنية، فإن الإحباط يتعمّق، وتتآكل فعالية الجهاز التربوي.

خاتمة

إن إصلاح التعليم في موريتانيا ليس مسألة مناهج أو شعارات، بل هو قبل ذلك إصلاح للحوكمة التربوية، يقوم على الإنصاف، وتكافؤ الفرص، واحترام التكوين، وتحفيز أطر التعليم الأساسي باعتبارهم العمود الفقري للمدرسة.

فمن دون عدالة في التعيينات، وتحفيز فعلي للأطر، وإعادة الاعتبار للدور البيداغوجي، سيظل التعليم يدور في حلقة مفرغة، مهما تغيّرت العناوين والبرامج.

Similar Posts