ضجة بلا جوهر: لماذا أُسيء فهم تعميم وزارة التربية؟

author
0 minutes, 0 seconds Read

 

أخباراليوم.      أثار تعميم صادر عن وزارة التربية وإصلاح النظام التعليمي، دعت فيه المديرين الجهويين إلى موافاة مديرية المصادر البشرية، بصفة أسبوعية، بوضعية المدرسين والطواقم التأطيرية التابعة لهم، من حيث الحضور والغياب، والغياب المبرر وغير المبرر، وحالات المرض وسائر الوضعيات الإدارية، موجةً من الجدل والاستنكار، تجاوزت في كثير من الأحيان مضمون التعميم نفسه، وانزلقت نحو تأويل النوايا والتشكيك في الخلفيات.

غير أن هذه الضجة، عند التمحيص، تبدو بلا جوهر حقيقي. فالإجراء، في جوهره، لا يعدو كونه ممارسةً إدارية طبيعية، تدخل ضمن صلاحيات الوزارة وواجبها في متابعة مواردها البشرية، وضمان استمرارية الخدمة العمومية في قطاع يُعدّ من أكثر القطاعات حساسية وتأثيرًا في مستقبل المجتمع. ولا يستقيم، منطقيًا ولا مهنيًا، أن يُطالب بإصلاح التعليم، ثم يُستنكر أول إجراء تنظيمي يمسّ أحد أعطابه المزمنة: الغياب وعدم الانتظام.

إن سوء الفهم الذي رافق التعميم لا يعود إلى صياغته بقدر ما يعود إلى السياق النفسي والإداري العام، حيث ترسخت لدى فئات واسعة قناعة مفادها أن الرقابة لا تُمارس إلا بانتقائية، وأن الإجراءات الإدارية كثيرًا ما تُستعمل ضد الضعفاء، بينما تُستثنى منها مراكز النفوذ. ومن هنا، يصبح أي تعميم رقابي، مهما كان منطقيًا، مادة جاهزة للريبة والرفض.

لكن القراءة الموضوعية للتعميم تُظهر بوضوح أنه لم يُصَغ بروح عقابية، بل تمييزية تنظيمية، إذ فرّق بين الغياب غير المبرر، والغياب المبرر، وحالات المرض، وغيرها من الوضعيات القانونية، وهو ما ينفي عنه تهمة الاستهداف الجماعي التي حاول البعض إلصاقها به. كما أن اعتماد الدورية الأسبوعية لا يعني التشديد بقدر ما يعكس الحاجة إلى معطيات محدثة تسمح باتخاذ قرارات دقيقة وعادلة.

ومع ذلك، لا يمكن الدفاع عن الإجراء بمعزل عن شروط نجاحه. فالرقابة الإدارية، لكي تكون إصلاحًا لا عبئًا، يجب أن تُطبَّق بعدالة وشمول، وأن تشمل الجميع دون استثناء، وألا تتحول إلى أداة ضغط أو تشهير أو تصفية حسابات. فالخلل لا يكمن في التعميم، بل في إمكانية إساءة تطبيقه.

إن النقاش الحقيقي الذي كان ينبغي أن يُثار لا يتعلق بحق الوزارة في المتابعة، بل بكيفية ترسيخ ثقافة إدارية جديدة، تقوم على الوضوح والتواصل والإنصاف، وتُعيد الاعتبار لمبدأ بسيط طالما غُيِّب: لا حقوق دون واجبات، ولا إصلاح دون مساءلة، ولا مدرسة عمومية قوية في ظل غياب مزمن يُبرَّر بالصمت أو بالعاطفة.

وعليه، فإن الضجة التي رافقت تعميم وزارة التربية لا تعبّر عن خطر حقيقي في الإجراء، بقدر ما تكشف عن أزمة ثقة عميقة بين الإدارة وموظفيها، وعن حاجة ملحّة لإصلاح لا يكتفي بالقرارات، بل يُحسن شرحها، ويضمن عدالتها، ويجعل من الرقابة وسيلةً للإنصاف لا ذريعةً للصراع.

Similar Posts