مقطع لحجار… بين ساسة “اتمكريظ” وغياب الإنصاف

author
0 minutes, 0 seconds Read

 

أخبار اليوم.   لا أحد ينكر أن الساحة السياسية في مقطع لحجار شهدت ما يشبه الثورة، لكنها ثورة من نوع خاص؛ لا تشبه ثورات الشعارات ولا انتفاضات الجماهير، بل ثورة بمقاييس محلية وبوسائل خفية ونهج يُذكّر بالمثل القائل: “الزمن يلد بلا ضرع”… أي أنه يفاجئك بالميلاد دون علامات المخاض.

لقد فاجأ الزمن أهل المقطع بصعود أشخاص قلّ من يعرفهم عن كثب، لا لأنهم يحملون مشروعًا أو تاريخًا، بل لأن معايير الظهور التقليدية لم تواتهم؛ فتحوّل الصعود السياسي إلى عملية قفز حر فوق القيم والأعراف، وكأن السلطة أصبحت بابًا مفتوحًا لمن “أجاد لعبة الدخول”، ولو بلا رصيد ولا أهلية.

انقلاب ناعم على الرموز التقليدية

ما حدث يقترب من انقلاب صامت على الرموز التقليدية للمجتمعات، وإحلال أسر لم تكن أصلاً ـ على الأقل بالإجماع ـ مهيأة لنيل مكانة كهذه. وكان من المتوقع أن ينعكس التغيير إيجابًا على أصحاب الكفاءة الذين ظلوا محرومين من الترقية… لا لشيء سوى أنهم لم يكونوا ضمن الزمرة شبه الأرسطوقراطية، ولم يرضخوا لوصفات “القفز بالأشخاص” حتى على حساب الكفاءة.

لكن الواقع جاء معاكسًا؛ إذ ظهر محظيّون جدد انتهجوا نهجًا وُصف محليًا بـ “اتمكريظ”، أي ممارسة سياسة “صوك فوك”، وبيع تامشكط، وتطبيق مبدأ “عد وهد”؛ نتعامل معك حسب ما عندك، لا حسب ما تستحقه. وهو أسلوب لم يعد يخجل من أن يقال صراحة: من لم يجد لنا اتباعًا فلن يجد مكانًا!

تغييب للكفاءة… وتغذية للغوغاء

هذا السلوك ـ وإن بدا للبعض براغماتية سياسية ـ هو في جوهره تغييب للكفاءات وتحويل برامج الدولة إلى وسيلة لشراء الذمم. وهو لا يخدم العدالة ولا التنمية؛ فـأدوابه وحدهم يشكلون أكثر من 60% من ساكنة المقاطعة، ومع ذلك لم يُمثلوا لا في السلطة التنفيذية ولا في المناصب الانتخابية. أما من مُنحت لهم المناصب فليسوا بالضرورة من أبناء الأسر القيادية، بل من أصحاب “الطريق القصير” والمتسلقين و”السحالي” السياسية.

الذنب لا يكون رأسًا

لهؤلاء نقول: إن الذنب لا يكون رأسًا، وإن السلوك المتمكرظ هذا لن يدوم؛ فـ “لولا المشقة ساد الناس كلهم… الجود يفقر، والإقدام قتال”. ومن يظن أن الغوغاء ستغطي أولي النهي والشهامة فهو واهم. فحين يحين موسم الحصاد، سيعرف الجميع أن ما يزرعونه اليوم سيحصدونه لا محالة… وعندها لن تنفعهم مظلات النفوذ المؤقت.

وماذا عن من أُخرجت من عرينها؟

نسيت أن أنبّه إلى أن إحدى مكونات المقاطعة لُفِت إليها النظر أخيرًا، لكن فقط بقدر ما يعرف عند العامة بـ “أجرة السنجاب”؛ أُخرجت من عرينها لتنال “علكة لحباره”… جزءًا يسيرًا يحفظ الصورة من السواد الكامل، لكنه لا يخرق طبقة الزجاج السميك التي تحجب العدالة الحقيقية.

 

الخلاصة

الثورة التي شهدها المقطع لم تكن ثورة وعي ولا إرادة؛ بل ثورة مقايضة و”اتمكريظ”، ولعبة نفوذ تحتاج إلى من يقول بصراحة: إنصاف المظلومين وأصحاب النبل ليس فضلًا… بل شرط لبقاء التوازن الاجتماعي والسياسي.
والزمن ـ كما قال الأولون ـ يلد بلا ضرع… لكنه أيضًا يحاكم بلا إنذار.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *