أخبار اليوم. في مجتمعنا، ثمة مفاهيم شعبية صغيرة، لكنها تحمل دلالات أعمق من كثير من الكتب الرسمية والتقارير الإدارية. الرابي وآسنباي ليستا مجرد أسماء؛ بل هما مرآة تعكس طبيعة صعود الأفراد في السلطة والمجتمع، وتكشف عن الآليات الخفية التي تصنع النفوذ والشهرة والثروة.
الرابي هو من تربى بعناية منذ الصغر، حصل على كل ما يحتاجه ليكبر بسرعة ويصبح مميّزًا، ليس بالضرورة بالكفاءة، بل بالولاء. إنه نموذج الشخص الذي تصنعه السلطة، وتغذيه الرعاية لتضمن طاعته واستمراره ضمن منظومة نفوذها. وكما كتب الوزير والسفير السابق محمد فال ولد بلال:
> “الرئيس حين يختار معاونيه يبحث عن شخص ذكي ومطيع، لكنه يخلو من الخبرة والسمعة الواسعة، خوفًا من أن يتصور أن له حظًا مستقلًا أو نفوذًا يفوق سلطته.”
وهكذا، يُصعد الرابي بفضل رعاية السلطة، ويكبر تحت جناحها، وإذا تغيّر الرئيس أو انتقل من موقعه، ينتقل الرابي سريعًا إلى حضن من يخلفه، محافظًا على ولائه وفوائده. الولاء هنا أكثر قيمة من الكفاءة، وأكثر استدامة من المبادئ.
أما آسنباي، فهو من لم يحظَ برعاية كهذه. عاش منذ الصغر على الاعتماد على نفسه، تعلم أن يأخذ ما يقع تحت يده، وأن يستغل الفرص مهما كانت صغيرة، وأن يلعب في الظل ليصعد. آسنباي لا يصعد بفضل الرعاية، بل بفضل المناورة والذكاء الفردي. لكنه لا يستطيع الانفصال عن الأنظمة التي خدمها، وغالبًا ما يتحوّل أسلوبه في الصعود إلى مصيدة، فقد يصبح ضحية ما صنعه بيديه.
هنا تتجلى حقيقة صادمة: ليست المسألة مجرد أشخاص، بل نظام كامل يُكرّم الولاء ويكافئ المناورة، ويغفل الكفاءة والمبادئ. الرابي وآسنباي هما نتاج هذه البيئة؛ أحدهما يربّى ويُصعَد، والآخر يتسلّق ويخدع، لكن كلاهما مرتبط بالسلطة نفسها، أحدهما بالتماهي معها، والآخر بالاستفادة من هشاشتها.
فهل يمكن لأي مجتمع أن ينهض حين يظل معيار الصعود الولاء أو المناورة، بدل الكفاءة والنزاهة؟
السؤال هنا ليس عن الرابي ولا عن آسنباي، بل عن النظام الذي يسمح بصعودهما… وعن الفرصة الحقيقية التي تُترك للموهوب والكفء ليبرز.
الرابي وآسنباي ليستا مجرد كلمات شعبية، بل أدوات قراءة للمجتمع والسياسة والسلطة، تفصح عما لا تقوله الوثائق الرسمية، وتفضح ما تُخفيه العلاقات والولاءات.
