تدرج في الخطاب وضوح في الرؤية
أخباراليوم. جاءت زيارة فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى ولاية الحوض الشرقي أشبه بخريطة سياسية واجتماعية متكاملة، رسمت ملامح دولة تعي تحدياتها وتبني حلولها بروية وتدرج، بعيدا عن ردات الفعل أو الشعارات الوقتية.
فمن محطة إلى أخرى، كانت رسائل الرئيس تتنزل بعمق واتزان.
في انطلاقة الزيارة، تناول فخامة الرئيس قضايا الأمن والدفاع ومكانة موريتانيا في محيطها الدولي، مؤكدا أن حماية الوطن ليست مجرد بند في برنامج سياسي، بل هي جوهر الدولة وعمودها الفقري.
وفي ولاتة استحضر عبق التاريخ ليذكر بأن الأمم التي تنسى جذورها تفقد بوصلتها.
ومن أمبيكت لحواش أطلق رسالة حازمة وواضحة: لا تساهل مع الخطاب العنصري أو الشرائحي، فتماسك المجتمع خط أحمر لا يُسمح بالعبث به.
وفي باسكنو، توقف فخامة الرئيس عند تضحيات جيشنا الوطني ليؤكد أمام الحاضرين ومن خلالهم إلى كل المواطنين أن ما يقوم به جنودنا من بذل وفداء لا يمكن لأي كلمات أن تفيه حقه.
كانت تلك رسالة عرفان، لكنها أيضا دعوة لصون المؤسسة العسكرية من التوظيف والتشكيك وتثبيت مكانتها كدرع للوطن وحامي حدوده.
ثم جاءت عدل بكرو، حيث كان المعلم والمدرسة جوهر الخطاب وهناك انطلق “نداء عدل بكرو” الذي شدد فيه فخامة الرئيس على أن لا نهوض لأمة دون تقدير المعلم ولا إصلاح للمجتمع دون مدرسة فاعلة ومهابة.
كان ذلك تمهيدا لرؤية أعمق: التنمية تبدأ من الفكر والنهضة تبدأ من القسم وحاضر الدولة يبدأ من الكراسة والسبورة.
أما في تمبدغة، فقد قدّم فخامة الرئيس درسا آخر في التأسيس السياسي، حين دعا إلى مراجعة دور مؤسساتنا الدستورية والانتخابية، وتقييم قدرتها على الاستجابة لتطلعات المواطنين.
لم يكن حديثه شكليا، بل حديث زعيم يطرح سؤال المستقبل: هل أدواتنا الديمقراطية اليوم قادرة على ما نطلبه منها؟ وهل مؤسساتنا في مستوى ما ينتظره شعبنا؟
وفي ختام الجولة، ومن جكني تحديدا، وضع الرئيس يده على جرح قديم ومتجدد: الفساد الإداري والمجتمعي والأخلاقي، مؤكدا ضرورة التصدي له ومواجهة صانعيه، لأن معركة بناء الدولة لا يمكن أن تربح ما دام الفساد يتسرب إلى مفاصلها.
بهذا التدرج المنهجي من الأمن إلى الوحدة الوطنية ومن الجيش إلى المدرسة ومن المؤسسات إلى مكافحة الفساد، قدم فخامة الرئيس رؤية متكاملة لمعالجة الاختلالات التي تعيق مسار الدولة وتؤسس لمنهج إصلاحي عميق يقوم على التشخيص الدقيق والتدرج الحكيم، ويعتمد قوة الموقف وسلاسة التعبير في آن واحد.
إن زيارة الحوض الشرقي لم تكن مجرد نشاط ميداني بل إعلانا واضحا أن الدولة قادمة على مرحلة جديدة أكثر صرامة.وأعمق وعيا وأكثر اقترابا من الناس.
مرحلة عنوانها: إصلاح لا يتعجل.وحزم لا يتردد وبناء لا يتوقف.
أهلا بكم في موريتانيا الجديدة……
