أخباراليوم. – وصفت دراسة أعدّها “مشروع التوجهات الكبرى في إفريقيا” الجيش الموريتاني بأنه جيش “شديد التسييس”، مرجحة أن يستعيد دورا أكثر وضوحا عند نشوب أيّ أزمة سياسية.
وقالت الدراسة الصادرة عن المشروع المهتم بإفريقيا – والممول من ألمانيا – إن الجيش الموريتاني يعدّ هو العمود الفقري والضامن للنظام الاجتماعي القائم في البلاد، مؤكدة أن الدعم الخارجي له ذو طابع سياسي بالضرورة.
ولفتت الدراسة التي أعدّها الباحث الألماني وولفرام لاتشر إلى أن الجيش ظل في الخلفية منذ الانقلاب الذي نفذه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، والرئيس الحالي محمد ولد الغزواني في العام 2008، منبهة إلى أن الدور السياسي للجيش يحدّ من هامش المناورة المتاحة أمام السياسة المدنية.
وتوقفت الدراسة مع هيمنة فئة البيظان ولا سيما المجموعات القادمة من الشرق والشمال الموريتاني على الرتب العليا في الجيش، مؤكدة سيطرة المجموعتين على النخب الحاكمة منذ انقلاب 1984 بقيادة ولد الطايع.
كما توقفت الدراسة مع ترقية 15 ضابطا إلى رتب أعلى في مارس 2025، لم يكن من بينهم سوى ضابط واحد من غير البيظان.
وأكدت الدراسة انخراط الضباط العاملين والمتقاعدين بعمق في السياسة، سواء رسميا، كما هو حال الرئيس محمد ولد الغزواني، ورئيس البرلمان محمد ولد مكت، ووزير الدفاع حننا ولد سيدي، أو غير رسمي من خلال شبكات النخبة التي تمتد بين عالم الأعمال والسياسة والعسكر.
ولفتت الدراسة إلى حديث عن تمتع كبار الضباط بمصالح اقتصادية في قطاعات مثل تعدين الذهب، مردفة أنه بذلك يصبح للقيادة العسكرية امتيازات تدافع عنها، لكنها أيضا تتنافس داخليا على النفوذ السياسي والمكاسب الاقتصادية.
وخلُصت الدراسة إلى أن نظام الرئيس محمد ولد الغزواني في جوهره يرتكز على القوة العسكرية التي تشكل الرادع النهائي أمام أي محاولة جدية للمعارضة لتحدي الوضع القائم، لافتة إلى أن النخب الحاكمة حافظت تحت حكم غزواني على واجهة من المؤسسات الديمقراطية الشكلية، مع اللجوء إلى القمع العلني بين الحين والآخر.
عقبة أمام الديمقراطية
ورأت الدراسة أنه ليس غريبا أن يرى بعض نشطاء المجتمع المدني والمعارضون أن الدعم الأوربي للسلطات الموريتانية، وبخاصة لقوات الأمن يمثل عقبة أساسية أمام أي ديمقراطية حقيقية.
ولفتت الدراسة إلى أن قلة من هؤلاء يعتقدون أن الخطاب السيادي المعادي لفرنسا والغرب، والذي يرفعه الانقلابيون في دول الساحل الأخرى، يمكن أن يجد صدى مشابها في موريتانيا، إذ إن موريتانيا بخلاف تلك الدول، لم تستضف قواعد فرنسية أو أمريكية، كما أنها تخلت عن استخدام الفرنك الإفريقي منذ عقود، وعرّبت نظامها ما ميزها عن باقي دول الساحل.
وأكدت الدراسة – الممولة من المشروع الذي أعدته وزارات الخارجية والدفاع والاقتصاد والتنمية في ألمانيا – أن التقارب الأمني المتزايد بين موريتانيا والدول الأوروبية قد يجعلها عرضة لاتهامات أوسع بالتبعية للغرب، مردفة أن هذه التهم ستكون خطيرة جدا، إذا ما أدت الأحداث إلى تصعيد في القمع.
ونبهت الدراسة إلى أن التعبئة السياسية يمكن أن تتحول على هذا الأساس إلى حراك شعبي على أساس الانقسامات الاجتماعية والسياسية العميقة.
تساهل وتردد مع الانقلابات
وتحدثت الدراسة عن تساهل الاتحاد الإفريقي مع الانقلابات التي وقعت في إفريقيا، وعن تردد الدول الغربية في اتخاذ مواقف حاسمة منها خشية خسارة التعاون الأمني، في حين يقف شركاء آخرون على أهبة الاستعداد لدعم الانقلابيين كروسيا وتركيا والإمارات.
ولفتت الدراسة إلى احتمال إقدام بعض الضباط الذين يتلقون حاليا تدريبا ودعما من الدول الأوربية على تنفيذ انقلاب جديد، مؤكدة أن هذا الاحتمال ليس واردا فقط بسبب تاريخ موريتانيا الحافل بالانقلابات، بل لأن الانقلابات العسكرية الأخيرة في دول الساحل منذ 2020، أثبتت أن البيئة الدولية الراهنة تشجّع مثل هذه التحركات.
وأردفت الدراسة أنه من هذا المنظور، فإن الاهتمام الأوروبي المتزايد بموريتانيا لا يحسّن فقط من موقع النظام الحالي، بل قد يغري أيضا الطامحين داخل المؤسسة العسكرية، ما يعني في النهاية زيادة خطر الانقلاب.
ونقلت الدراسة عن دبلوماسيين غربيين ميلهم إلى التقليل من هذا الخطر، بحجة أن ولد الغزواني أثبت مهارة في تحصين حكمه ضد الانقلابات عبر إعادة تشكيل الجيش بشكل دوري، مستدركة بأنهم يعترفون بصعوبة قراءة ديناميات الضباط داخليا.
وخلصت الدراسة إلى أن نهاية مأمورية الرئيس محمد ولد الغزواني الحالية والأخيرة حسب الدستور في العام 2029 قد تكون محطة حرجة في هذا الصدد، فبعد أن انقلب على سلفه وحليفه القديم محمد ولد عبد العزيز، يدرك غزواني تماما حجم الرهانات المرتبطة بإدارة مرحلة الخلافة.
ويعد مشروع “Megatrends Afrika” أو “التوجهات الكبرى في إفريقيا” مبادرة بحثية واستشارية ألمانية، تتابع ما يسمى بـ التوجهات الكبرى (الميغا-تِرِندز) وتأثيرها على الدول والمجتمعات الإفريقية، بهدف تطوير أفكار وسياسات للتعاون الألماني – الأوروبي مع الشركاء الإفريقيين بطريقة أكثر عدالة واستدامة، وهو مشروع مشترك بين المعهد الألماني للشؤون والأمنية، والمعهد الألماني للتنمية والاستدامة، ومعهد كيل للاقتصاد العالمي، فيما تموله وزارات ألمانية عدة، هي الخارجية، والدفاع، والتعاون الاقتصادي والتنمية.
ويركز المشروع في مجالات بحثه على عن العنف والفواعل العنيفة وتحول الصراع، كيف تتغير النزاعات المسلحة والفواعل بها في ظل التوجهات الكبرى، والتوجهات الكبرى بين “الديمقراطية” و”الاستبداد”، وكيف تؤثّر التغيّرات الهيكلية مثل التحضر، الرقمنة، والتغيّر الديموغرافي على أنماط الحكم، وتحولات القوة العالمية وتعدّدية الأقطاب، أو كيف يتغير دور اللاعبين الخارجيين في إفريقيا كالصين، وروسيا، ودول الخليج، وما آفاق التعاون الأوروبي – الإفريقي.
وبدأ المشروع نهاية 2021، وينتهي بنهاية العام الجاري.
