أخبار اليوم. شكلت الزيارة الأخيرة لرئيس الجمهورية إلى الحوض الشرقي محطة مفصلية، ليس فقط في ما تضمنه خطابه من رسائل واضحة حول ضرورة تصحيح المسار، بل أيضًا لأنها كشفت حجم التباين بين رؤية القيادة العليا وما يجري على أرض الواقع داخل الجهاز التنفيذي.
فقد بدا من خلال الشهادات الميدانية وملاحظات المتابعين أن تعثر البرامج التنموية لا يرتبط بضعف في التخطيط بقدر ما يعود إلى خلل في التنفيذ ناجم عن سوء إدارة بعض الوزراء وكذب التقارير الفنية التي تُرفع إلى الرئاسة.
وتتحدث مصادر محلية عن أن عدداً من المشاريع التي أُعلن إنجازها – مثل طريق امرج – عدل بكرو أو مشاريع الإنارة والمياه – لم تتجاوز في الواقع مرحلة الأعمدة والأسلاك، في حين يجري الحديث إعلاميًا عن اكتمالها، وهو ما خلق فجوة بين الخطاب الرسمي والواقع الملموس.
ويعزو بعض المراقبين هذا الوضع إلى تغلغل الولاءات الشخصية والقبلية داخل الجهاز الحكومي، حيث أصبحت بعض الوزارات تعمل تحت وصاية غير مباشرة لشخصيات نافذة، وظهر ما يشبه “الوزراء بالوكالة”، الأمر الذي أضعف مبدأ المسؤولية الفردية والتسلسل الإداري.
إن أخطر ما في هذه الظاهرة أنها تُفرغ العمل الحكومي من مضمونه المؤسسي، وتحوّله إلى شبكة مصالح متقاطعة تحتمي بالجهة والقبيلة. وهو ما يفسّر، في نظر المختصين، بقاء كفاءات وطنية مهمّشة في مواقعها لسنوات دون ترقية، رغم كفاءتها وتجربتها الطويلة في الخدمة العمومية.
من هنا، تبدو الحاجة ملحّة إلى مراجعة شاملة لبنية الحكومة وآليات تنفيذ البرامج، بما يضمن قيام مؤسسات فاعلة تستند إلى المهنية لا إلى الوساطة.
فالتنمية لا يمكن أن تُبنى على المجاملة، ولا يمكن للرئيس أن يحقق وعوده إذا بقيت التقارير المرفوعة إليه تصوّر الواقع كما يريد بعض الوزراء، لا كما هو فعلاً.
إن نجاح أي مشروع وطني مرهون بقدرة القيادة على ربط الخطاب بالفعل، والرؤية بالإنجاز، والمحاسبة بالمسؤولية.
وهذه الزيارة، مهما حملت من رسائل سياسية، قد تكون الفرصة الأخيرة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن عبر تصحيح المسار التنفيذي، ووضع الكفاءة فوق الولاء.
الرسائل السياسية للزيارة
تحمل الزيارة في طياتها إعلانًا ضمنيًا عن بداية مرحلة جديدة من الصرامة والمساءلة، فالرئيس بدا أكثر إدراكًا لحدود الصبر الشعبي على البطء في الإنجاز، وأكثر تصميمًا على إعادة ترتيب البيت الداخلي للدولة.
كما تعكس خطبه الميدانية رغبة واضحة في تفكيك التحالف غير المعلن بين البيروقراطية والقبلية، وإعادة الاعتبار لسلطة الدولة كمؤسسة فوق الجميع.
وإذا ما تُرجمت هذه الرسائل إلى إجراءات ملموسة، فستكون الزيارة نقطة تحوّل حقيقية في مسار بناء دولة الكفاءة والعدل التي طال انتظارها.
