النخاسة السياسية: حين يُؤجَّر الإنسان ليمثل./ حمادي سيدمحمد أباتي الولاء من الاستعباد القديم إلى تأجير الحشود… وجوه مختلفة لذات الانحطاط

 

> «الفرق بين سوق العبيد في الماضي، وسوق الحشود اليوم، أن أولئك كانوا يُباعون بالقوة، وهؤلاء يُباعون بالحاجة.»

 

ما شاهدناه في الحوض الشرقي ليس تعبيراً عن التفافٍ شعبي، بل عرضٌ مأجور، سوقٌ للحشود تُدار كما تُدار أسواق النخاسة، ولكن بثيابٍ سياسية أنيقة.
تُحمَّل الشاحنات بالبشر، وتُرفع الشعارات، ويُقال إن الوزير يقود جحافل من أنصاره، بينما الحقيقة أن أغلب الوجوه ليست من دائرته الاجتماعية ولا من قبيلته، بل من فقراء جُرّوا إلى المشهد مقابل القليل من المال أو الوعود المؤقتة.

في واقعٍ مثل الحوض الشرقي، لا قبيلة قادرة وحدها على حشد آلاف الأشخاص. فالتنازع على الزعامة والتفتت الداخلي يجعل من العفوية السياسية أمراً مستحيلاً. ما نراه هو صناعة للوهم: وسطاء يعرفون طرق الاستغلال، ومسؤولون يدركون أن الصورة أهم من المضمون، فيدفعون مقابل صخبٍ مؤقت يغطي على خواء السياسة.

هذه ليست ديمقراطية، بل عبودية من نوعٍ جديد — عبودية الحاجة والتبعية. حين يُشترى حضور الإنسان، يُشترى صمته أيضاً.
التحالف بين الدولة والقبيلة أنتج استعباداً سياسياً ناعماً: المسؤول يموّل المشهد، والوسيط يربح، والفقراء يُستخدمون كديكور بشري لإضفاء شرعيةٍ زائفة. إنها النخاسة ذاتها، لكن بتمويلٍ حكوميٍّ وإخراجٍ إعلاميٍّ حديث.

أيّ وطنٍ هذا الذي يسمح بتحويل مواطنيه إلى سلعٍ بشرية في مهرجان الولاء؟
أيّ كرامةٍ تبقى لإنسانٍ يُستدعى للتصفيق المأجور؟
هذه الممارسات تُهين الوعي قبل الجسد، وتُفرغ السياسة من معناها الأخلاقي لتجعلها تجارةً في الولاء ومزاداً في الكرامة.

 

> «الكرامة لا تُؤجَّر، ومن يبيع حضور الناس اليوم سيشتري صمتهم غداً، لكنّه لن يشتري ضمائرهم أبداً.»
نداءٌ وطنيّ: لتكن أولى الإصلاحات في موريتانيا هي استعادة الإنسان من سوق

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *