“نواكشوط للكتاب” ومسح الطاولة.. حتى لا ننسى علال الحاج!  محمد بابا حامد

author
0 minutes, 3 seconds Read

أخبار اليوم.  فيما يشبه مفهوم “مسح الطاولة” والقطيعة بشكل جذري مع كل الماضي وإلغاء جميع الإرث الحاضر في الذاكرة لأول معرض دولي للكتاب في نواكشوط، تم اختيار “الدورة الأولى” كصفة لهذه التظاهرة الدولية الجديدة (2025) في إعادة لتأسيس آخر، لا علاقة له بالمعرض الأول، في انبتات تام مع الذاكرة الثقافية الجماعية والجهود السابقة للفاعلين الثقافيين، فذاكرة المؤسسات ذاكرة جماعية وليست ذاكرة شخصية!

 

وقد كان على القائمين على تنظيم هذا المعرض، وعلى رأسهم وزارة الثقافة، مع تمنياتي الخالصة لهم بالنجاح في هذه الدورة، أن تبني على النسخة الأولى وتستمر في البناء، فالمنجزات تتطور بالتراكم، والفعاليات تحسب قيمتها بالتواريخ وعدد الدورات، فالدورة الثانية أكثر قيمة من الأولى في متوالية مستمرة تصنع الامتداد والعراقة.

 

أما القطيعة الجذرية، واحتساب كل إدارة جديدة عملا جديدا هو ريادة خالصة لها فهو قصور إداري واستراتيجي في رؤيوية التطور والهدف، كما أنه تقويض فرداني خالص للمنجز الجماعي والذاكرة الجماعية، خاصة حينما يكون المنجز السابق عملا رسميا في نفس المجال وبنفس المسمى والاختصاص والهدف، وتم تنظيمه بشكل رسمي وحظي برعاية تامة من أعلى سلطة وقتها وهي رئاسة الجمهورية.

 

وقد أخبرني من أثق به وهو إطار وطني بارز أن أول معرض دولي للكتاب نظم في نواكشوط سنة 1987، واحتضنته دار الثقافة وشاركت فيه مجموعة من دور النشر العربية، يتذكر منها دور من الجزائر ولبنان، وتوجد معه حتى الآن كتب اشتراها من ذلك المعرض ومن ضمنها كتاب “بيان من أجل الديمقراطية” للمفكر السوري برهان غليون.

 

أما النسخة الثانية من معرض نواكشوط الدولي للكتاب فاحتضنتها جامعة نواكشوط سنة 2004 وأشرف عليها المرحوم، علال الحاج، وهو فاعل في المجال الإعلامي والثقافي، وكانت دولية بامتياز، حيث شاركت فيها مجموعة من دور النشر، رغم ضعف الإمكانيات حينها، ويجب أن تحسب له حتى نبني على التراكم ولا نلغي الماضي، كما أنها نسخة رسمية بكل المعايير وحظيت بدعم مباشر من الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطائع في أوج حملته للكتاب، وبذلك تكون الدورة التي نظم علال الحاج 2004 في جامعة نواكشوط هي الثانية والدورة الحالية 2025 هي الثالثة.

 

والسؤال المحير هو: لماذا يخاف البعض من البناء على ما قبلهم؟ وهو سر لم أفهمه بعد، وكثيرا ما لاحظته في العديد من القطاعات والمجالات في بلادي، فكل طاقم إدارة جديد يتبرأ – إن لم يلعن – منجزات الطاقم الذي قبله؛ يخفيها، يحاسبها، يحاكمها، يلغيها، لا يريدها أن ترى أو تذكر! ويعطي صفات الريادة والأسبقية والإنجاز لحقبته، هذه الحقبة التي سيمسح بها الطاولة من سيأتي بعده، في دواليك لا متناهية لا تثمر إلا منجزاً خافتاً ومحطات باهتة ومجهولة على مر الحقب.

 

أقول للقائمين على هذه الدورة هنيئاً فأن تأتي – حتى ولو كان ذلك متأخراً – خير من أن لا تأتي، لكن هذا المجيء الجميل أيضاً نريده بهي الطلة واثق الخطوة نبيل التذكر حلو الوفاء بليغ الأثر، لذلك حتى لا ننسى أول دورة من معرض نواكشوط للكتاب ولا ننسى علال الحاج في مبادرته النوعية، وجهوده في تلك التظاهرة، عليكم بتكريمه بشكل يعبر عن التقدير والاحتفاء للرواد الأوائل، أو تخصيص جائزة تحمل اسمه، بعد أن اخترتم الانطلاق من خطوتكم الخاصة الأولى، في مسار الألف ميل الثقافي، الذي يتطلب قيماً وأهدافاً نبيلة ومستدامة ترسخ الإبداع وتحفز الأجيال الجديدة على الاستمرار والتراكم وتخليد المنجزات وتثمينها وعدم القطيعة مع الذاكرة الثقافية

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *