صفقة الطاولات والمقاعد المدرسية.. فضيحة انتهت بخيبة أمل. مامودو بيدي غي – صحفي

author
0 minutes, 3 seconds Read

أخبار اليوم.      وصف هذا الملف بأنه من أكبر فضائح الصفقات العمومية في السنوات الأخيرة، إذ تحيط به شبهات سوء تسيير وهدر للمال العام، وتُتداول حوله اتهامات بتضخيم فواتير وتسليمات وهمية وعمولات ورشاوى محتملة.

 

تحولت القضية إلى مسلسل مشوّق استأثر باهتمام الرأي العام، بعد إقالات في صفوف مسؤولين رفيعي المستوى، وأُثير حولها تقرير للمفتشية العامة للدولة ظلّ يُستخدم كورقة ضغط دائمة، فيما تردد المتهمون لدى النيابة. فهو في نهاية المطاف، مشهد سياسي محبوك تتقاطع فيه عناصر التشويق والغموض ضمن سياق يلفّه التوتر.

 

غير أن ما حدث بعد أسابيع قليلة كان مخيباً للآمال؛ فالقضية التي أُثير حولها الكثير من الضجيج لم تُثمر شيئاً يُذكر، بل بدا وكأنها تلاشت تماماً في غبار النسيان.

 

لنعد قليلاً إلى الوراء؛ ففي ختام اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 2 سبتمبر 2025، صدر قرار بإقالة أربعة مسؤولين بارزين في وزارة التهذيب الوطني، وهم: السيدة هوا يورو جاه، المديرة العامة للتعليم، والسيدة الكحلة أججيل، مديرة الإدارة والمالية، إضافة إلى السيد عبد الله صو، المسؤول عن الممتلكات والصيانة، والسيد إدريسا كِبي، رئيس لجنة الصفقات العمومية بالوزارة. فكأن الدولة أرادت أن تبعث برسالة صارمة مفادها أنه لا تساهل هذه المرة.

 

وذكرت المفتشية العامة للدولة وجود اختلالات جسيمة في تنفيذ صفقة توريد الطاولات والمقاعد المدرسية. ولم يكن من الصعب تخيّل فصول دراسية خالية، وتسليمات مفقودة، وصفقات أُبرمت في ظل غياب تام للشفافية.

 

إلا أن الأمور لم تمضِ كما هو متوقع، إذ سرعان ما ظهر خلل ما. فالتقرير الشهير للمفتشية العامة للدولة، الذي كان يفترض أن يوثق هذه «الاختلالات الجسيمة»، بدا وكأنه فقد أثره؛ فلم يُعثر عليه لدى المسؤولين المعنيين، ولا في وسائل الإعلام، وبالتأكيد لم يصل إلى الغرف المغلقة لبعض أصحاب النفوذ. بل تم انتهاك مبدأ حق الأطراف في الرد والمواجهة، الذي يُعد أساساً في تقارير الرقابة، وذلك لصالح التسرع وافتراض الإدانة قبل أي تحقيق فعلي.

 

أُلقي اللوم على المسؤولين المعنيين، الذين تعرضوا لغضب الرأي العام، كما أُعفوا من مناصبهم قبل بدء تحقيق جدي في القضية: فقد خضعوا لاستجوابات متواصلة وتلقوا استدعاءات متعددة لدى شرطة الجرائم الاقتصادية، فيما شابه ماراثوناً قضائياً. ومع مرور الأسابيع، تلاشت الشبهات تدريجياً، وانتهى الأمر بدعوتهم للعودة إلى منازلهم دون توجيه أي اتهام أو إقامة محاكمة.

 

وأظهرت التحقيقات، التي لم تُثبت وقوع أي ضرر على الدولة أو مكاسب غير مشروعة، أن القضية كانت تتجه نحو طي الملف دون متابعة قضائية، خاصة وأن الصفقة، التي أُسنِدت إلى صاحب العرض الأقل كلفة، كانت قد حظيت بموافقة كل من السلطة المنظمة للمناقصات ولجنة مراقبة الصفقات.

 

بل أظهرت تحقيقات الشرطة أن جميع الطاولات والمقاعد المدرسية المعنية قد تم تسليمها واستلامها فعلياً بحضور السلطات المحلية، دون أي تجاوزات أو اختلاسات. وبذلك لم تُتخذ أي إجراءات قانونية، وبقيت القضية مجرد ضجة إعلامية كبيرة.

 

ومع انتهاء تلك الضجة الإعلامية وكشف تحقيقات الشرطة عن عدم وجود أي تجاوزات أو اختلاسات، بدأت التساؤلات تتصاعد: هل بالغت المفتشية العامة للدولة في تقييم الوضع؟ وهل أُقيل بعض كبار المسؤولين دون وجود أدلة ملموسة؟ أو هل أُقيلوا بمجرد تلبية مطلب «تطهير أخلاقي» مفاجئ وعشوائي؟ أم أن ما شهدناه كان مبالغة من قبل الجهات الرقابية، في بلد عادةً ما تُطوى فيه الفضائح الحقيقية وتنتهي دون محاسبة؟

 

نظرًا للواقع الراهن، كان ينبغي على محققينا الاقتصاديين وهيئات الرقابة الأخلاقية أن يولوا اهتمامًا خاصًا للاستنتاجات الجوهرية الواردة في تقرير محكمة الحسابات لعام 2025، والذي، بصرامة واعتمادًا على مبدأ مواجهة الأطراف، سلّط الضوء على أداء بعض الوزراء ومديري المشاريع الذين نادرًا ما تُوجه إليهم المساءلة، رغم ثقل المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، وما ترتب عن ذلك من تبعات مباشرة على مساراتهم المهنية وسمعتهم.

 

هنا تحقق الضرر بالفعل: فقد تضررت مسارات مهنية واهتزّت سمعات، لترسخ حالة عامة من الشك طالت منظومة الصفقات العمومية برمتها، حيث تداخلت مراحل الإسناد والمراقبة والتنفيذ والتنظيم في مشهد مرتبك يلفّه الغموض ويغيب عنه الوضوح والمساءلة.

 

فقضية طاولات ومقاعد وزارة التربية الوطنية إذن أحدثت ضجة إعلامية كبيرة، لكنها في النهاية لم تُسفر عن أي نتائج فعلية. فالطاولات والمقاعد المدرسية التي أثارت الضجة وصلت إلى المدارس وجلس عليها الطلاب

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *