فصائل المقاومة وإجابات الأسئلة المهمة/ عريب الرنتاوي كاتب ومحلل سياسي أردني.

author
0 minutes, 2 seconds Read

أخبار اليوم.    سنضع أقدامنا على الأرض، بعد أن حلّق بنا دونالد ترامب خلال ساعات أربع وعشرين حاسمة، على ارتفاعات شاهقة في السماء.. سنلوذ بالسياسة الواقعية، بتعقيداتها وحفرها العميقة، وبما تستبطن من فرص وتحديات، بعد أن أمعن الرئيس الأميركي في تقديم تصورات و”أحلام”، نابعة من نظرته لنفسه، من “الإيغو” الذي يسكنه، بوصفه صانع المعجزات، الذي وإن كان الأخير زمانه، سيأتي بما لا تستطيعه الأوائل، مع الاعتذار من “شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء”، الرجل الذي يستحق كل الثناء وكل الجوائز.

كذا هو ترامب، وهكذا نجح في إجبار قادة العالم على التعامل مع حساباته واعتباراته الخاصة، إن هم أرادوا الوصول إلى مفاتيح حلول لكثير من الأزمات، التي يحتفظ بها في جيبه.

من مطلع شمس 13 أكتوبر/تشرين الأول، وحتى بعد مغيبها، قال الرجل كل شيء، لم يتوقف عن الكلام المباح وغير المباح، ولكنه لم يقل سوى جملة مفيدة واحدة، مهّد لها كثيرا، بما يلزم وما لا يلزم من “اللغو” و”الثرثرة”، من على منصة الكنيست وقمة “الشرم”، وحتى على متن الـ”Air Force One”: الحرب على غزة انتهت، وهي جملة انتظرها الفلسطينيون بصبر ناءت به الجبال، وثبات وصمود عزّ نظيرهما، وبقوائم لا حصر لها من التضحيات الجسام.

ومن دون التقليل من “تاريخية” وقف حرب التطهير والترويع والإبادة، فإن وعود سلام منتظر- منذ ألفيات ثلاثة، وسيستمر لأبد الآبدين، ويمتد من شرق المتوسط إلى ضفاف قزوين- لم تجد من يشتريها، فليس فيما قال أو ألمح، ما يشي بأن الرجل يمتلك “رؤية” و”خطة إستراتيجية” و”برنامج عمل”، تُملّك وعوده المنثورة بغزارة، الأقدام التي تسير عليها، والأذرع التي تجدّف بها، كلام ليل قد يمحوه الصباح، وأحلام كأحلام أهل غزة، تذروها رياح وغبار منازلهم المدمّرة، وهم يتفقدونها لأول مرة، منذ أن انطلقت “عربات جدعون”، تعيث تدميرا وتقتيلا وخرابا في أرض غزة وما (ومن) عليها.

إعلان

نهاية حرب أم نهاية جولة؟

الحرب انتهت، عبارة كررها ترامب مرات عدة، ووجد بنيامين نتنياهو نفسه مرغما على ترديدها من ورائه، ومن على منصة الكنيست، وبحضور ستموتريتش وبن غفير (وتصفيقهما)، بعد أن فقدت تل أبيب زمام قرارها، واشتدت حبال واشنطن حول عنقه، وبات القرار بشأن الحرب والحل والسلام، يصنع في الولايات المتحدة، متخففا من “الرسوم الجمركية” المرتفعة، المفروضة على السلع والمبادرات المستوردة، حتى وإن كان بلد المنشأ: إسرائيل.

الحرب انتهت، وتلكم حكاية سعيدة، تهبط على عقول الفلسطينيين وقلوبهم وضمائرهم، بردا وسلاما، برغم آلام الفقد وعذابات التهجير المتكرر في وطنهم، وصور المدائن التي تحولت إلى خرائب.. الحرب انتهت، ولن تُستأنف يومياتها، التي خبرها الفلسطينيون امتداد عامين ويومين.. مع أن كثرة الفلسطينيين في قرارة أنفسهم، يعرفون أنها لن تكون آخر الحروب، وأن ما انتهى فعليا، هو أخطر وأطول وأعنف جولة من جولاتها.

ثمة “نوايا حسنة” عند بعض أو كثير ممن أمّوا “شرم الشيخ”، ليكونوا شهودا على “يوم تاريخي”، بعضهم جاء سعيا لاسترضاء ترامب، وليظهر في خلفية “الصورة التاريخية”، وبعضهم جاء كما لو أنه “وسيلة إيضاح” كتلك المعمول بها في المدارس الابتدائية، لتظهير نجاحات الزعيم الأقوى، في إطفاء نيران “سبع حروب”، وليكون شاهدا على إطفاء النيران التي ظلت متّقدة لأطول حرب وأصعب حرب، بعضهم جاء ليستكمل مهمة، انخرط فيها منذ اليوم التالي لـ7 أكتوبر/تشرين الأول، وعمل عليها، مباشرة كما في حال “ثلاثي الوساطة”، أو الدول العربية والإسلامية الداعمة له، ولا ندري إن كانت بعض نسائم هذه النوايا، قد تسربت إلى قلب وعقل وضمير زعيم الدولة العظمى.

وثيقة السلام والازدهار التي مهرها الوسطاء الأربعة، ليست أكثر من إعلان نوايا، فضفاض، ومن تمعّن في قراءتها، لحظ بلا شك، أن ثمة جهودا كبيرة، قد بُذلت لإخراجها على الصورة التي خرجت بها، مرضية لكل الأطراف، الحاضرة والغائبة عن احتفالية شرم الشيخ، وتثير تحفظات كل الأطراف في الوقت ذاته.

اقترن رفض التطرف فيها برفض العنصرية، وحين ترد هذه الكلمة، في أي وثيقة أو محفل، ليس من مرادف لها سوى إسرائيل. تحدثت عن مشترك آمن ومزدهر للجميع، في إشارة للفلسطينيين كذلك، وحثت على البناء على إرث السلام الأبراهامي، دون أن تسميه باسمه.

“طوفان التصريحات والخطابات المطولة” الذي أغرق به ترامب المنطقة، وأصم مسامع أهلها وقادتها، خلا من الجملة المفتاحية: إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره، وبناء دولته المستقلة.

خلا من الإشارة لحل الدولتين، ولم يأتِ على ذكرها سوى مرة واحدة، في معرض النفي وليس المصادقة، وكقضية لاحقة لا تحتل صدارة جدول أعمال الإقليم والعالم.. ردّ إسرائيل المتنكر للحق الفلسطيني، لم يرد على لسان نتنياهو وصحبه من اليمين الفاشي فحسب، بل جاء على لسان يائير لبيد، حمامة السلام، الذي قال إن العرب لم يقرؤوا أهم تقرير استخباري إسرائيلي، سفر التكوين، الذي جعل “أرض الميعاد” وطنا خالصا موهوبا لـ”شعب الله المختار”.

إعلان

وكان لافتا، أن كل فعل من “الأفعال الحميدة” التي استذكرها نتنياهو في خطابه الترحيبي المطول بـ”أعظم صديق حظيت به إسرائيل”، كان سببا في تعميق وتأبيد حالة عدم الاستقرار في المنطقة، وأنها جميعها، متضافرة، كانت من بين محركات “طوفان الأقصى” بعد أن سُدّت السبل في طريق التسويات والحلول والدبلوماسية.

الاعتراف بالقدس “عاصمة أبدية موحدة” لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها، الاعتراف ببسط السيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، الاعتراف بحق إسرائيل في احتلال “يهودا والسامرة” واستيطانها، بوصفها جزءا من أرض إسرائيل وموطنها الأول.. التصدي لطوفان التضامن العالمي مع غزة، وتسونامي الاعترافات بالدولة وسيل الإدانات الجارف للتوحش الإسرائيلي، وتعطيل إرادة المجتمع الدولي والمنتظم الأممي اللذين يقفان على الضفة الأصح من التاريخ… والحقيقة أن كل فعل من هذه الأفعال، كان سببا مباشرا، في تعقيد الأزمة وتدمير فرص الحل.. كل واحد منها، يُعد افتئاتا على التاريخ والحق والقانون الدولي، يودي بصاحبه إلى “لاهاي”، حيث المحكمة، وليس إلى أوسلو حيث الجائزة.

اليوم التالي بدأ الآن

بين أيدينا وثيقتان، مبادرة العشرين بندا ووعد السلام والازدهار في شرم الشيخ، وكلتاهما بالكاد تصلحان لمعالجة ملف الحرب على غزة، بتطوراته وتداعياته، دع عنك حكاية السلام الأبدي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن باب أولى، دع عنك السلام بين تل أبيب وطهران، بخلاف ذلك، ليس لدينا أي شيء صلب، يمكن أن نقف فوقه، أو أن نبني عليه.

مبادرة ترامب، التي تكاد تكمل مرحلتها الأولى، يحتاج كل بند منها، إلى جولات وصولات من التفاوض. غموضها سر قبولها “المشروط والمتحفظ” من الأطراف، وما جاء فيها بخصوص القضية والسلطة الفلسطينيتين، إنما استُحدث لاسترضاء “مجموعة الثماني”، العربية-الإسلامية، وهو بالقطع، لا يؤشر إلى أي عنصر من عناصر الحل النهائي، وغابت عنه “المرجعيات الدولية” المتفق عليها للحل الدائم والشامل، ولم يُشر إلا على نحو خجول ومجتزأ، لطموح الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والدولة، وعودة مشروطة بإصلاح على مقاس “دفتر الشروط” الأميركية الإسرائيلية، للسلطة إلى دور ما في قطاع غزة، هذه ليست قواعد لسلام مستدام، بل ولا تصلح مدخلا لتفاوض جديد.

الفلسطينيون ومقاومتهم، قبلوا بالخطة، أو بالأحرى أهدوا موافقتهم- مكرهين- على بندين منها لدونالد ترامب شخصيا: الأسرى والخروج من حكم غزة، لكن ماذا عن بقية الملفات؟، ماذا عن “قوة الاستقرار الإقليمي”؟، ماذا عن سلاح المقاومة ومصير مقاتليها وقادتها؟، ماذا عن “اليوم التالي”؟، من يحكم غزة، وكيف تُحكم؟، وهل ثمة انتداب غربي جديد على هذه البقعة من فلسطين؟، كيف ستسير عمليات الإغاثة والتعافي المبكر وإعادة الإعمار، وإلى أي مدى سيُجرى توظيفها لتحقيق أغراض الحرب كما رسمتها تل أبيب، وبدعم كامل من البيت الأبيض؟

أيا يكن من أمر، فإن “اليوم التالي” للحرب على غزة، قد بدأ، عندما انتهت صفقة تبادل الأسرى، وقبلها بساعات، عندما انسحب جيش الاحتلال من نصف القطاع (يقال إن الانسحاب الفعلي كان أكبر من ذلك)، وعندما بدأت أجهزة الحكم في غزة، باستئناف مهامها المعتادة، بالحدود الممكنة، لا سيما في ساحة حفظ الأمن وضبط فلتان العصابات والعملاء والمليشيات “اللحدية” المتعاونة مع العدو.

هي إجراءات مؤقتة، لا ندري إن كانت ستستمر وإلى مدى، وكيف، وكان لافتا أن ترامب على متن طائرته الرئاسية، قال إنه يعلم بما يجري، وأنه أصدر “الإذن” بذلك، بوصفه ترتيبا مؤقتا لمنع الفوضى وحفظ الأمن، لا أدري إن كان صادقا، أم ساعيا لتفادي الحرج، بعد أن ذكر سلسلة من الأرقام المتناقضة حول قتلى حماس، تارة جعلهم 80 ألف مقاتل، وأخرى 60 ألفا، لا قيمة للرقم ولا لعلم الإحصاء و”الداتا” عند ترامب، فالرجل يصدر عما يجول في خاطره، وبما يخدم هدفه في تلك اللحظة بالذات.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *