موريتانيا الرأسمالية المفرطة أم العدالة الاجتماعية؟  نبيل سوماري – ناشط مدني وديمقراطي اشتراكي

أخبار اليوم.   رغم أن الناتج المحلي لموريتانيا يبلغ حوالي 11 مليار دولار سنوياً وهو رقم متواضع على الصعيد العالمي، فإن ما يدخل فعلياً إلى خزينة الدولة لا يتجاوز 2 مليار دولار فقط، وهذا المبلغ المحدود يُصرف معظمه على الرواتب والنفقات الجارية، فلا يتبقى ما يكفي للاستثمار في البنية التحتية أو التعليم أو الزراعة، وهكذا تدور الدولة في حلقة مغلقة من الإنفاق غير المنتج، لأن الإدارة لا تملك خبرة اقتصادية حقيقية ولا رؤية لنمو مستدام.

 

شركات الذهب تمنح الدولة 4 – 6% فقط من العائدات، بينما تحتفظ هي بأكثر من 90% من الأرباح. أما في مشروع الغاز العملاق مع السنغال فلا تتجاوز حصة موريتانيا 7 – 10% فيما تذهب الحصة الأكبر للشركات العالمية، وحتى الحديد رغم أن شركة SNIM وطنية ما يزال يُصدَّر خاماً دون تصنيع محلي ما يحرم البلاد من عوائد مضاعفة كان يمكن أن تجنيها لو وُجدت مصانع تحويلية.

 

في الداخل يتهرب كثير من رجال الأعمال من الضرائب عبر الرشوة والعلاقات، بينما يتحمل المواطن العادي عبء الغلاء وضعف الخدمات، النظام الضريبي نفسه هش لا يشمل القطاع غير الرسمي ولا يعتمد على نظام حديث مثل بطاقة الأمن الاجتماعي التي يمكن أن تضمن وصول الضرائب والمساعدات بشكل آمن وعادل إلى الخزينة والشعب النتيجة أن الدولة تجمع القليل وتصرفه بشكل أسوأ، فيتعمق الفقر بدل أن ينحسر.

 

ومع ذلك كان يمكن لموريتانيا أن ترسم مساراً آخر لو فُرضت عقود عادلة للذهب والغاز تمنح الدولة 50% من العائدات كما تفعل الجزائر ونيجيريا لأضيف أكثر من مليار دولار سنوياً إلى الخزينة.

ولو استُثمر الحديد في مصانع محلية بدل تصديره خاماً لارتفعت العوائد بمئات الملايين الإضافية، ولو أُصلح النظام الضريبي وسُدّت منافذ التهرب ووسع الوعاء ليشمل القطاع غير الرسمي لأمكن إضافة 300 – 400 مليون دولار أخرى.

 

هذه الإصلاحات وحدها كانت كفيلة برفع إيرادات الدولة من 2 مليار إلى 4 – 5 مليارات دولار سنوياً في فترة قصيرة ولو استُثمرت هذه الأموال بذكاء في التعليم الصحة والزراعة لكان الاقتصاد قد تضاعف خلال عقد واحد ليصل إلى 50 – 60 مليار دولار.

 

الخلاصة أن موريتانيا ليست فقيرة بالموارد، بل مُفقَرة بسبب الرأسمالية المفرطة والفساد وسوء التسيير، العدالة الاجتماعية ليست شعاراً سياسياً، بل هي الضمان الوحيد لبقاء الدولة. وما لم تتحول الثروة الوطنية إلى أداة للتنمية والعدالة ستبقى موارد البلاد نقمة بدل أن تكون نعمة.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *