التعيينات والاجتهاد في الإسلام بين الأمانة والتمييز

author
0 minutes, 0 seconds Read

أخبار اليوم.   تطرح مسألة التعيينات في المناصب العامة كثيرًا من الجدل في المجتمعات الإسلامية:
كيف تُدار؟
وما ضوابطها الشرعية؟
وهل يملك المسؤول الحق في الاجتهاد بما يراه مصلحة حتى لو ترتب عليه ظلم للبعض؟

التعيينات في ميزان الشرع

الأصل في الإسلام أن التعيين لا يكون إلا على أساس الأمانة والكفاءة، قال تعالى:
{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26].
فالمناصب ليست وجاهة ولا تشريفًا، بل أمانة ثقيلة، وقد قال النبي ﷺ: “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة” (رواه مسلم).

حق المسؤول في الاجتهاد

المسؤول المسلم يُمنح مساحة للاجتهاد في إدارة ما أوكل إليه، والقاعدة النبوية واضحة:
“إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد” (متفق عليه).

لكن هذا الحق لا يُترك بلا ضابط، بل مشروط بأن يكون الاجتهاد:
مبنيًا على العلم والخبرة.
مقصودًا به العدل والمصلحة العامة.
قائمًا على الشورى والاستعانة بأهل الذكر.

الاجتهاد بين العدل والتمييز

قد يميل بعض المسؤولين إلى تقديم فئات بعينها – كالنساء أو الشباب – على من هو أكبر سنًا وأكثر خبرة، بحجة دعم التوازن الاجتماعي.
لكن الشرع يقرر بوضوح أن المعيار الأول هو الكفاءة والأمانة، لا السن ولا الجنس.
فإذا قُدّم من هو أقل خبرة على حساب الأكفأ، فهذا ظلم صريح وخيانة للأمانة. أما إذا تساوت الكفاءات، فلا حرج في مراعاة تمثيل فئة أو أخرى من باب التنويع لا الإقصاء.

الخطأ المغفور والخطأ المؤاخذ

إن اجتهد المسؤول بإخلاص، واستشار أهل الخبرة، ثم أخطأ، فهو مأجور أجرًا واحدًا.

أما إذا اجتهد بهوى أو محاباة، وظلم الأكفأ لحساب الأقرب أو الأحب إليه، فليس ذلك اجتهادًا شرعيًا، بل هو جور وخيانة يُحاسَب عليها.

خاتمة

إن التعيينات في الإسلام ليست مجالًا للمحاباة ولا لتجريب السياسات على حساب الناس، بل هي أمانة عظيمة، والاجتهاد فيها لا يكون إلا بما يحقق العدل والمصلحة. ومن هنا، ندعو الله تعالى أن يوفق المسؤولين في بلادنا إلى ما فيه الخير، وأن يسدد خطاهم للعدل والإنصاف، وأن يجعل قراراتهم سببًا في نهضة الأمة ورخاء المجتمع، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحمدو سيدي محمد الكصري

خبير وطني في التوجيه المهني وهندسة التكوين

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *