موضة المهرجانات (الثقافية)  بقلم: أحمد الوافي

author
0 minutes, 11 seconds Read

أخبار اليوم.   تشهد الساحة الموريتانية وخصوصا في مناطق الداخل تنظيم العديد من المهرجانات أو التجمعات أو اللقاءات التي هي في ظاهرها ثقافية الشكل والأسلوب، مجتمعية المحتوى والرسالة، فما هي الثقافة؟ وما الفائدة من هذه المهرجانات؟ وماهي المآخذ عليها؟ وكيف نطور من أدائها؟

 

ذلك ما سأحاول الإجابة عليه عبر هذه المقالة بإذن الله

 

أولا: تعريف الثقافة:

أصل الثقافة في اللغة العربية مأخوذ من الفعل الثلاثي (ثقف) بضم القاف وكسرها، وتطلق في اللغة على معان عدة؛ منها الحذق والفطنة والذكاء وسرعة التعلم.

 

وأما الثقافة في الاصطلاح فقد أشار ابن خلدون لتعريف لها حيث يقول هي: “الأخذ من كل فن بطرف”.

 

ولعل من أجمع التعاريف لها تعريف روبرت تيلور (1871 م) حيث يقول الثقافة: “هي ذلك المركب الكلي المعقّد الذي يشمل المعرفة والاعتقاد والفن والقانون والتعاليم الأخلاقية والعادات الإنسانية”.

 

وكل من جاء بعده دار في فلك هذا التعريف للثقافة.

 

ثانيا: الفائدة من هذه المهرجانات:

– نشر الوعي والمعرفة

من الطبيعي أن تشتمل هذه التجمعات على مساطر جادة تحمل رسالة الوعي وضرورة التعلم وفضيلة المعرفة.

 

إن كثيرا من التخلف والخلاف سببه قلة الوعي وكثرة الجهل، فحينما يجتمع الجميع على صعيد الثقافة فإن ذلك منذر بنقلة توعوية توقظ الضمائر وتعلي الهمم.

 

– تعزيز التعاون والشراكة:

يقول تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، ويقول تعالى {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}، فهذه التجمعات من أهم فوائدها تعزيز روح التعاون بين فئات المجتمعات، والتعاون الذي نقصد هو تعاون على سلامة الصدور ورحابة العقول ووصل الأرحام ونفي الضغائن وطيّ صفحات الإحن والمحن والابتعاد عن الجهل والجاهلية، والتمسك بعرى التوحيد والوحدة {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}، وإقامة لمشاريع بناء الإنسان والعمران.

 

– إحياء مقصد التعارف:

إن من أجل فوائد هذه التجمعات أن الناس فيها يخضعون لقانون {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}، فهي فرصة للقاء والالتقاء وسانحة لبناء جسور المودة والإخاء، ومناسبة لإزالة الأحكام المسبقة والمواقف المبنية على الشكوك وسوء الظن.

 

– تجدد الذكرى:

كما قال الأمير الكفي ولد بوسيف

مارت عنك خبرك خفيف

يالدني وانك مانك دار

ملزم بسيف ألا بالسيف

فاصلت من ملزم لحجار

الا فاصلت ماه بالسيف

لحرش لكبير الفوك دار

 

وكما قال الأديب أربان ولد أعمر الجكني:

هذا الدهر اتفو بيه

مارتْ عنو غــــــدّار

مارت ما تورَ فيـــــه

حلاوَ ما تِمْــــــــرارْ

خظت اعلَ دارْ اليوم

أهل أيَّ يالقيـوم

شفت أكًومْ التيدوم

لِمْسَهْوِ كان الدار

محروك ؤعاد احمومْ

سبحانك يالقـهار

مَعْوَدْ حَرَّاك أكًــــومْ

ماهُ فاهم لَخْبـــارْ

 

فهذه الآداب التي هي مائدة حاضرة في هذه التجمعات من أقوى دواعي التذكرة والاتعاظ.

 

ثالثا: المآخذ على موضة المهرجانات:

رغم الدور المهم والفوائد المشهودة المشاهدة لهذه التجمعات توجد أيضا مآخذ شرعية عرفية عليها، أو على الأدق على كثير منها، نلخصها فيما يلي:

 

– الانعاش الدائم بالمزامير المصحوبة بالتبرج:

يجب على أهل التنظيم لهذه المهرجانات أن يلتزموا بضوابط الشرع لا بمسايرة العوام، وعلى العلماء الذين يحضرون لهذه المناشط تغيير مناكرها لا تبريك انطلاقتها فقط.

 

– الاختيال والتفاخر:

والله تعالى يقول {إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا}.

 

قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: والمُختالُ: البَطِرُ في مِشْيَتِهِ، والفَخُورُ: المُفْتَخِرُ عَلى النّاسِ بِكِبْرِهِ، وقالَ مُجاهِدٌ: هو الَّذِي يُعِدُّ ما أعْطى ولا يَشْكُرُ اللَّهَ وَقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: المُخْتالُ: ذُو الخُيَلاءِ والكِبْرِ، وقالَ الزَّجّاجُ: المُخْتالُ: الصَّلَفُ التَّيّاهُ الجَهُولُ، قال القرطبي رحمه الله وَالْفَخُورُ: الَّذِي يَعْدُد مَنَاقِبَهُ كِبْرًا.

 

فلا خير في الاختيال والتفاخر أبدا.

 

– التبذير في المال:

من أبرز المآخذ على هذه المهرجانات ما يبذر فيها من المال في أوجه متعددة بعيدة عن مقاصد الشرع وطريق العقل، فما يصرف على التزلف والرياء الاجتماعي وما يعطى للطامعين الشاتمين والمشاهير المخنثين وغير ذلك لا يجوز شرعا ولا عرفا.

 

وإن من أقبح أوجه التبذير أيضا ما يصنع بالأطعمة والأشربة التي ترمى على الأرض وتداس بالأقدام وتكفر نعمتها ولا تقيّد بحبل شكرها الذي هو صرفها في مرضاة المنعم سبحانه وتعالى.

 

رابعا: كيف نطور من أدائها:

– الإرادة الصادقة

إنّما تنجحُ الأفكار إذا قَوِيَ الإيمان بها، وتوفّر الإخلاصُ في سبيلها، وازدادت الحماسةُ لها، وَوُجدَ الاستعدادُ الذي يحملُ على التضحيةِ والعملِ لتحقيقها.

 

قال تعالى {إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا}.

 

– التحضير والتخطيط:

إن الأعمال الارتجالية المبعثرة لا تبني عملا نافعا صلبا مؤثرا، لذلك ينبغي لنا إذا أردنا صناعة مجتمعات مثقفة أن نتقدم بين يدي ذلك بثنائية التحضير والتخطيط؛ التحضير المسبق الواعي الشامل المرن الفاهم، والتخطيط السليم العميق الطموح الجامع المانع.

 

– الإبداع والإمتاع:

في عالم السرعة وعصر التكنلوجيا لم يعد يؤثر في الناس دعوتهم على مبتذل من الأقوال أو ممجوج من الشعارات، بل لا بد من احترام عقول الناس وتقدير حضورهم وإعمار أوقاتهم بكل قديم نافع وجديد مفيد.

 

– المخرجات النوعية:

الأثر الأهم هو أن تترك هذه التجمعات أفكارا عملية، وعلاقات أخويّة، ومشاريع علمية، وتعاونيات مجتمعية، وشراكات تنموية.

 

ولا ينبغي أن يكون الهدف من تنظيمها مقتصر على أخذ صور لامعة، أو ربط علاقات جديدة، أو تسجيل رقم سياسي، فتلك غايات صغيرة أو حقيرة، بل الهدف الأسمى ينبغي أن يكون تحصيل الحمد والمجد ومنافع الناس جميعا، كما قال الفرزدق يصف أحد المثقفين:

حَمَّالُ أثْقَالِ أَقْوَامٍ إذَا فُدِحُوا *** حُلْوُ الشَّمَائِلِ تَحْلُو عِنْدَهُ نَعَمُ

إنْ قَالَ قَالَ بمِا يَهْوَي‌ جَمِيعُهُمُ *** وَإنْ تَكَلَّمَ يَوْماً زَانَهُ الكَلِمُ

 

ختاما:

{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.

 

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *