أخبار اليوم. لا دخل للقبيلة في الشأن العام، فالحكم مسؤولية يتحملها من يتولاها بنفسه، ويُسأل عنها بما أنجز لا بما انتسب.
لقد واجه رؤساء موريتانيا السابقون انتقادات لاذعة بعد مغادرتهم السلطة، ومع ذلك لم تُقحم قبائلهم في الرد، ولم تُوظف كدروع اجتماعية لصدّ النقد، أو أدوات لإسكات الرأي المخالف.
فالرئيس المؤسس المختار ولد داداه، رحمه الله، تعرّض لنقد واسع بعد الإطاحة به، واستمر ذلك لعقود، دون أن تعتبر قبيلته “أولاد أبيير” – وهي من القبائل العريقة ذات المجد والإرث الوطني المشرف – أن ذلك مساس بها، بل قابلت الأمر برقي كما يليق بتاريخها الحافل بالحكمة والمساهمة في بناء الدولة.
وكذلك الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، الذي قاد البلاد لفترة طويلة، وتعرض لانتقادات قاسية بعد الإطاحة به، بل وسُجن بعض وجهاء قبيلته، ومع ذلك لم تخرج قبيلته “السماسيد” – القبيلة الشريفة، أبناء شمس الدين، المعروفون بالعلم والصلاح وعلو النسب – لتعتبر ذلك استهدافًا لها، بل ارتفعت بأخلاقها عن الزج بنفسها في تجاذبات السياسة، متشبثة بموروثها الروحي والعلمي العريق.
ثم جاء الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وتعرض – هو الآخر – للمعارضة والنقد، ومع ذلك لم تعتبر قبيلته “أجيجبه” – القبيلة الرفيعة المشهورة بالعلم والتسامح – أن الأمر تجاوز بحقها، بل حافظت على منهجها المعروف في الرصانة وضبط النفس.
وكذلك قبيلة “أولاد أبي السباع” الشرفاء – أهل النسب النبوي، الذين امتازوا بالكرم والشهامة – أنصفهم شيخنا الشيخ سعد أبيه في بيت خالد
فقال:
حيّ الأماجد من آل السباع ولا
تجهل فضائلهم فإنهم فضلاً
هم منعة الجار من ينزل بساحتهم
يأمن فلا يختشي هضماً ولا جدلاً
دلت مزاياهم العليا على شرفٍ
عالٍ صحيحٍ إلى بيت الرسول علا
قبيلة مشهودة لها تاريخيًا، اختارت أن تبقى فوق التجاذبات، وألا تُزج في الخلافات السياسية.
لكن ما الذي تغيّر اليوم؟
حين يهاجم أحدهم الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، ويسفه جهوده ويطعن في إنجازاته، يُعتبر ذلك “حرية تعبير”.
لكن عندما يرد عليه أحد من مناصريه بالحجة والبرهان، مذكّرًا بأن ما نعيشه اليوم من مصاعب هو من مخلّفات العشرية الماضية – التي يناصرها المنتقد نفسه – ترتفع الأصوات وتُطلق الاتهامات: “لقد أساء ابنكم إلى القبيلة!”.
فهل تحوّل النقاش السياسي إلى ساحة محرّمة لا يُسمح فيها إلا بنقد الرئيس الحالي؟
وهل الرئيس السابق – الذي قاد البلاد لأكثر من عقد، وأُدين في ملفات كبرى – أصبح محميًا من التقييم السياسي؟
ولماذا لم تعتبر قبيلته – أديبوسات، القبيلة الكبيرة ذات النسب الشريف المتصل بأنصار رسول الله ﷺ، والتي لها دورها الرائد والمشرف في تاريخ البلاد علمًا ومكانة وجاهًا – أن النقد الموجه لحقبته إساءة لها؟
الجواب واضح: لأنها – كغيرها من القبائل الوطنية الكبرى – ترتفع عن التوظيف السياسي، وتدرك أن من يحكم يُسأل، ومن يُنتقد يُرد عليه، دون خلط بين الشخص والمنظومة القبلية.
ثم إن من يرد على النقد لا يتحدث باسم قبيلته، بل باسم فكرة وطنية، باسم مشروع إصلاحي، باسم تطلعات شعب لا يريد أن يعيش أسيرًا لتجارب ماضية، أو رهينة انتماءات ضيقة.
الخلاصة:
من يهاجم الرئيس الحالي يُقال إنه يمارس حرية التعبير.
ومن يرد عليه بالحجة، يُتهم بالإساءة إلى القبيلة!
هذا منطق مقلوب لا يستقيم مع بناء دولة حديثة.
الرئاسة مسؤولية وطنية، لا حظيرة قبلية.
فلنحترم تاريخ قبائلنا، ونرفعها فوق الاستغلال السياسي.
ولنُعلِ مكانة الدولة، ونحتكم للنقاش الهادئ، لا للابتزاز العاطفي ولا للعصبيات.
المصطفى الشيخ محمد فاضل