أخبار اليوم. وسط صحراء موريتانيا، تقف مدينة ولاتة العريقة على حافة الزوال، وهي واحدة من أبرز المدن التاريخية التي قاومت تقلبات الزمن، لكنها اليوم تواجه تهديدات بيئية واقتصادية وثقافية خطيرة، أبرزها زحف الرمال وتغير المناخ وهجرة السكان.
ولاته، المصنفة منذ العام 1996 ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو إلى جانب شنقيط وتيشيت ووادان، كانت في الماضي مركزاً للقوافل الصحراوية وموطناً للعلماء والمخطوطات الإسلامية. إلا أن مظاهر التدهور باتت اليوم واضحة في شوارعها الخالية، ومبانيها المتداعية، ومكتباتها المهددة بالتلف.
سيدي محمد الأمين سيديا، عضو في مؤسسة حماية المدن القديمة، يصف الوضع قائلاً: “ولاته كانت جوهرة الصحراء، لكنها تنهار أمام أعيننا”، مشيراً إلى أن منازل عديدة تهاوت بسبب الأمطار الأخيرة، في ظل غياب سكانها الذين غادروها بحثاً عن فرص اقتصادية أفضل. من بين 293 منزلاً، لم يتبق سوى نحو مئة مأهولة.
تتميز مباني المدينة بهندستها الطينية الفريدة المصنوعة من “البانكو”، وهي مادة تقليدية توفر عزلاً حرارياً طبيعياً، لكن تحتاج إلى صيانة دائمة، خاصة بعد المواسم المطرية. وتشرف النساء على تزيين واجهات البيوت بزخارف تقليدية تتآكل سريعاً بسبب تقلبات الطقس.
وتعد المكتبات القديمة أحد أهم الكنوز الثقافية في ولاتة. محمد بن بطي، إمام وأحد ورثة مكتبة عائلية عمرها قرون، يحتفظ بـ223 مخطوطة، أقدمها يعود إلى القرن الرابع عشر. يقول: “هذه المخطوطات كادت تضيع بسبب الإهمال والرطوبة، لكننا نسعى لحمايتها بما تيسر من إمكانيات”، مشيراً إلى أن بعض عمليات الترميم تمت في التسعينيات بدعم خارجي، إلا أن غياب التمويل المستدام يهدد مستقبل هذا التراث.
وتفاقمت أزمة المدينة مع توسع ظاهرة التصحر التي تغطي نحو 80% من أراضي البلاد، نتيجة التغيرات المناخية وسوء إدارة الموارد، بحسب وزارة البيئة الموريتانية. حتى المسجد العتيق في ولاتة لم يسلم من هذه التغيرات، إذ كان في الماضي مغموراً بالرمال، إلى درجة أن المصلين كانوا يصلّون فوق سطحه.
رغم ما تواجهه، لا تزال ولاتة تحاول الحفاظ على نبضها من خلال “مهرجان المدن القديمة”، الذي ينظم سنوياً في إحدى المدن التاريخية الأربع، كوسيلة لدعم السكان المحليين وجذب بعض التمويل.
رابط المقال :