قرار وزير الإقتصاد يستحق الاشادة/الدكتور الصوفي الشيباني

author
0 minutes, 2 seconds Read

أخبار اليوم.   يمثل تعميم وزير الاقتصاد والمالية سيدي أحمد ولد أبوه الخاص بتنظيم المراسلات في القطاع أحد أهم القرارات الإدارية التي اتخذت في العقود الاخيرة. وذلك بالنظر لمضمونه من جهة، ولأهمية ومركزية القطاع الذي شمله من جهة أخرى.

 

فالقرار يعالج مشكلات مزمنة في الإدارة الموريتانية يتضرر منها المواطن كثيرا وتضيع حقوقه وتتعطل مصالحه، بل ويتضرر منها العمل الحكومي نفسه فيتأخر الإنجاز وتضعف درجة الإلتزام تجاه الشركاء وأصحاب المصالح وتتراجع المردودية وتزداد التكاليف والأعباء نتيجة لعدم ضبط وتنظيم المراسلات وعدم معالجتها والحسم بشأنها في الوقت المناسب، وهي للأسف مسلكيات سائدة في معظم مرافقنا الحكومية.

 

وقد ضرب هذا التعميم في الصميم عندما حدد أجلا قصيرا جدا لإتمام معالجة الملفات والمراسلات التي تصل القطاع ما سيكون له الأثر الإيجابي في محاصرة الإهمال والبيروقراطية واللامباة تجاه الملفات والعلاقات الهامة التي يتولى إدارتها، كما أنه سيرفع مردودية الأداء ويحسن سمعة القطاع.

 

ومن جهة أخرى فقد تناول هذا التعميم موضوعا آخر بالغ الاهمية ألا وهو إلزام الجميع باستعمال اللغة العربية حصرا في جميع المراسلات سواء داخل القطاع او مع شركائه.
وهذا القرار غير المسبوق على هذا المستوى، بالإضافة إلى كونه إعمالا لمادة صريحة في الدستور تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، فإنه يصحح خللا ظل يشوه إدارتنا ويترجم إنفصام ممارساتنا الرسمية عن مقتضيات الدستور الملزمة في تناقض صريح لا يمكن تبريره بأي منطق.

 

كما أنه يضع حدا لعقود من سيادة اللغة الفرنسية على المعاملات الرسمية في أهم قطاع حكومي يتولى مركزة عمل القطاعات الحكومية وينسق علاقاتها الاقتصادية والمالية مع الشركاء الأجانب.
يضاف إلى ذلك ما كان ينطوي عليه هذا الوضع من إقصاء وتهميش للأطر الاكفاء من أصحاب التخصص في القطاع وخارجه من الذين تلقوا تكوينهم باللغة العربية، وهو ما يحرم القطاع من الاستفادة من كفاءاتهم وخبراتهم ويحرم المعنيين أيضا من حقوقهم في شغل المناصب التي يستحقونها في وطنهم بفعل إقصاء ممنهج ظل البعض يصر على استمراره.

 

ولئن كانت الذريعة التي تم بها تبرير اعتماد اللغة الفرنسيةفي قطاعي الاقتصاد والمالية هي أن جل معاملات الدولة الاقتصادية والمالية مع العالم الخارجي إنما تتم مع أوروبا التي تعتبر فرنسا ممثلها الأول في بلادنا، فإنه بعد تغير ذلك الوضع وتراجع تلك الأهمية النسبية لصالح هيئات وصناديق التمويل العربية والإسلامية التي لا تستخدم اللغةالفرنسية في معاملاتها، والتي باتت تقدم النصيب الأكبر من التمويلات والقروض التي تتلقاها بلادنا من العالم الخارجي، فإنه لم يبق أي مسوغ منطقي أو عملي للاستمرار في استعمال اللغة الفرنسية كلغة عمل في هذا القطاع الحيوي، مع الإستدراك ان ذلك لا يعني عدم مراعاة وضعية الموظفين الذين تلقوا تكوينهم بها. لكن مراعاة ذلك الواقع شيء وتكريس هيمنة اللغة الفرنسية وتجاهل اللغة الرسمية للبلاد شيء آخر.
وبالرغم من كون هذا القرار تم اتخاذه من طرف وزير بعينه و يخص القطاع الذي يتولى إدارته ويعود له الفضل في ذلك، إلا أنه في نهاية المطاف جزء من عمل الحكومة كأي قرار وزاري ويضاف لرصيدها ويعطي أملا قويا في أن تتبعه قرارات أخرى مماثلة في بقية القطاعات الحكومية ما سيفضي إلى إحداث قطيعة مع التجاوزات التي ظلت سائدة في مجال تبوئ اللغة الرسمية للبلاد مكانتها في الإدارة الوطنية.

 

ولا شك أن قرارا بهذه الأهمية يمس مكانة اللغة الفرنسية في الإدارة الوطنية ويصحح خللا في عدم إعمال الدستور سيكون له تداعيات شعبية ورسمية وخارجية بحكم الواقع الذي تكرس لعقود طويلة وأصبح محميا من طرف مجموعات من أصحاب المصالح والنفوذ الذين نجحوا طيلة العقود الماضية في الوقوف في وجه كل توجه لإعمال الدستور في هذا المجال أو لإتاحة الفرصة للأجيال التي تلقت تكوينها باللغة الرسمية لتبوئ مكانتها المناسبة في الإدارة الوطنية.
ونظرا لذلك فإن حماية هذا القرار تتطلب مؤازرة علنية وقوية لمعالي الوزير الذي اتحذه لأنه سيصبح مستهدفا من طرف اعداء هذا التوجه الذين لن يدخروا جهدا في سبيل إزاحته من طريقهم. والشيء بالشيء يذكر فقد اتخذت قرارا سنة 2012 عندما كنت مراقبا ماليا للدولة بعدم منح تأشيرة المراقب المالي لأي وثيقة غير مكتوبة باللغة العربية أو غير مصحوبة بنسختها العربية الأصلية حيث تلقيت ضغوطا واتصالات من جهات عدة لكنني اصريت على تنفيذ ذلك القرار الذي أرسلته حينها بشكل رسمي للداوائر الحكومية المعنية لتتم إقالتي بشكل مفاجئ من الوظيفة بعد ذلك بفترة وجيزة.

 

صحيح ان اسبابا سياسية تتعلق بموقفي السياسي حينها كانت لها علاقة مباشرة بتلك الإقالة، لكن حجم الإمتعاض من الإجراء وردود الفعل التي ولدها في بعض الأوساط والدوائر كانت ترجح أن له صلة بتلك الإقالة.

 

وعلى العموم فإن قرار معالي الوزير سيد أحمد ولد أبوه غير المسبوق يستحق الإشادة و الدعم والمآزرة من الجميع، وخاصة من الهيئات المدافعة عن التمكين للغة الرسمية للبلاد، والتي ينبغي أن تمنح الوزير وسامها تثمينا لقراره الشجاع، ذلك القرار الذي جعلنا إننا نتطلع إلى أن يصدر فخامة رئيس الجمهورية توجيهات سامية بتعميم مضمونه على جميع القطاعات الحكومية حتى يتم وضع حد لخرق الدستور في هذا المجال

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *