أخبار اليوم. لم يكن العاشر يوليو سوى يوم لإخراج موريتانيا من مأزق تاريخي. حتى المرحوم المختار ولد داده نفسه كان يريد ذلك، وكل الدلائل تؤكد أنه كان يريده .
في الاجتماع الدوري الأخير قبل التخطيط للانقلاب، قال المرحوم المصطفى ولد محمد السالك (قائد الأركان حينها)، مخاطبا الرئيس المختار: “السيد الرئيس، رؤساء وحدات الجيش قالوا انه لم تعد لديهم إمكانية للقتال لوجستيا ومعنويا”، وكان ذلك بحضور بعضهم، والتفت المصطفى عليهم وقال لهم: “قولوا ما ترددوه على مسامعي أمام الرئيس”. كان جواب المختار: “أنا ماض في هذه الحرب ولو بقي معي جندي واحد”.
وبعيدا عن إصرار المختار، فإن حديث رئيس الأركان يعني: “أوقف الحرب أو سنوقفها نحن”. وهذا تمرد واضح لا يخفى على رئيس بحجم عقل المختار، ولو كان يريد أن يمضي في الحرب لأقاله حالا وعين محله قائدا يملك حماسا أكبر للحرب، أو يعتقله ويفعل نفس الشيء مع القادة الحضور، لكنه يدرك حجم المأزق حتى مدير إسنيم رفض الاستمرار في تزويد الجيش بالمازوت ، وبالتالي حافظ على المترددين في الاستمرار في الحرب. وهذه إشارة واضحة على عدم اكتراثه بالعصيان العسكري وما قد يترتب عليه . وهذا هو أخطر أمر بالنسبة لرئيس يخوض حربا مقتنعا بضرورتها.
أما النقطة الثانية، فهي حصوله، خمس مرات، على معلومات أكيدة عن الانقلاب، من داخل مطبخ الانقلاب نفسه عن طريق الملك الحسن الثاني بواسطة شخص من رؤوس الطرف المدني للانقلاب. والثاني عن طريق رئيس ساحل العاج من مصدر مؤكد، والثالث من شخص من داخل المجلس التنفيذي للحزب اتصل به أحد أهم الرؤوس المدنيين في الانقلاب يريد انضمامه إليهم وأخبره بمعلومات دقيقة عن الانقلاب واللحظة المقرر فيها ، واكتفى المختار بتوجيه ورقة صغيرة لوزير دفاعه، محمذن ولد باباه، يطلب منه التحقيق في ذلك ، والذي اكتفى بدوره بعملية تفقدية وسط العاصمة ليعود إليه بالقول أنه لم يلاحظ أي تحرك مريب. أما النقطة الرابعة والخامسة فستظهران في السرد. في نفس الوقت، كان القائدان التنفيذيان للانقلاب، من بين الخمسة عسكريين المخططين له، جالسين في مكتب قائد القوات المسلحة: وهم مصطفى ولد محمد السالك قائد القوات، والمرحوم أحمدُ ولد عبد اللّ قائد المنطقة العسكرية السادسة. وكان النقلابيون يهمون بتنفيذ الانقلاب عبر التوجه بكتيبة إلى مقر اجتماع الحزب في محل البرلمان حالا (المبنى القديم الذي ساعدت به كوريا الشمالية حزب الشعب) .وكان المرحوم شيخنا ولد محمد لقطف مكلفا بمهمة إطالة النقاش داخل الاجتماع حتى تتمكن القوة التي يقودها أحمد ولد عبدلل من الامساك بالجميع أثناء الاجتماع. كان في الطرف الآخر، خارج نواكشوط، المرحوم جدو ولد السالك يقود كتيبته قادما من آوسرد في اتجاه إنال لاعتراض البوليساريو في إطار الخطة حيث روج الانقلابيون أن مجموعة من البوليساريو شوهدت في ذلك الاتجاه من أجل منح جدو القدرة على التحرك من مكانه ليكون قريبا من نواكشوط للتدخل عند الحاجة وفي نفس الخطة أمر المصطفي المرحوم الطيار حمّ ولد عبد القادر المعروف بكادير بالقيام بطلعات للتأكد من حقيقة الشائعة بأن البوليساريو تستهدف اسنيم ونفذ كادير المهمة وعاد لنواكشوط دون علم المصطفى ليقول أن الأمر غير أنه تلقى تعليمات صارمة من قائد القوات بأن يعود نلواذيبو ولا يتحرك إلا بأوامره الأمر الذي ولد لديه شكوكا ، وتم تكليف مولاي ولد بوخريص قائد منطقة أطار بإقامة حفلة تستمر إلى ساعات متأخرة من الليل على شرف قادة الوحدات المغربية المتمركزة في الأرض الموريتانية ليغلب عليهم النوم حتى يتم تنفيذ الانقلاب خشية تدخلهم بأمر من المرحوم الملك الحسن الثاني حليف المختار . وكان العضو الخامس للانقلابيين محمد خونه ولد هيدالة متواجدا في ازويرات .لم تنفذ الخطة خلال يوم 8 يوليو وتم تمديدها ليوم 9 لكن لم تتحرك جماعة نواكشوط خاصة عندما علموا بأن وزير الدفاع قام، على أساس معلومات عن الانقلاب باستطلاع الوضع داخل نواكشوط. وهكذا تأخر البيان المعلن للانقلاب حسب الاتفاق وجن جنون الجماعة وصاروا على شبه يقين بأن الأمر أكتشِف. ومما زاد تعقيد الوضع أن أبرق جدو ولد السالك عبر اللاسلكي، وهو ما سيسمعه الكل، بغضب شديد أنه سيتوجه لنواكشوط حالا للقبض على المختار. شاع أمر البلاغ، وهي النقطة الرابعة التي تؤكد بوصول خبر الانقلاب المختار . وكان رد المصطفى بأن أصدر له أوامر بأن يبيت خارج نواكشوط ،كما قل لأحمدُ ولد عبد الل أنت قلت أنك مريض فمن المهم أن تذهب لداكار للعلاج. وقال المصطفى أن جملة هذه التعليمات كانت لأجل حماية الضباط من تحمل مسؤولية الانقلاب الفاشل ويريد هو تحملها لوحده .وهكذا يكون انقلاب 9 يوليو فشل من الناحية التطبيقية. وكان الجميع ينتظر إعلان فشل الانقلاب من طرف المختار، لكن ذلك لم يقع .ألم تصل هذه المعلومات المختار لتوها وبصفة دقيقة؟ وكانت تلك هي النقطة الخامسة التي تؤكد أن المختار يريد وضع نهاية لحكمه والخروج من المأزق، ولذلك لم يتصرف، وهو أمر غير اعتيادي من شخص لا يسمح بحرية التعبير ولا حرية التجمع ولا الانتقاد، فالأحرى بإزاحة حكمه من أساسه: بواسطة انقلاب قد يتهم خلاله بأي تهمة يريدها المنقلبون .
لكن الانقلاب أيضا مازال ممكنا من الناحية الموضوعية، ومازالت شروطه وأدواته ومنظروه فاعلين ومتحمسين ولم يمسسهم سوء.
في قيلولة اليوم التاسع كان هناك ضاطان في منزل قائد الأركان، و هما جبريل ولد عبد الله مدير العتاد، وآتى هاماد مدير الهندسة العسكرية، ينتظران قائد الأركان. وكان في الحجرة المقابلة المصطفى وأحمدّ ولد عبد اللّ وكان الحديث بينهما حاد جدا، وتعالت أصواتهما فألتفت آتشى هامد على حبريل وقال له هيّا نذهب إلى بيتى ونتغدى من “شيبو جين”: الأرز بالسمك، ونعود في المساء. عند عودتهما في المساء كان المصطفى يشعر بألم شديد في الرأس، فدخلا عليه واستفسراه عن القضية، وطلبا منه الانضمام إليها. كان ذلك فتحا مبينا بالنسبة للمصطفى الذي وجد نفسه وحيدا في نواكشوط بعد ذهاب أحمدَ نفس اليوم إلى داكار والبقية خارج نواكشوط والمختار لم ينصرف بعدُ، وايضاً لكي لا يذهب جميع الضباط الكبار وقادة الجيش في جريرة الانقلاب مادام هناك ضباط صغار يمكنهم القيام معه بالمهمة ، وتم التخطيط للتنفيذ ذلك الوقت بأنهم يستدعون عبد الله لد ترياف صديقهم ونائب أشتى للانضمام إليهم ومولاي هاشم المرافق العسكري للرئيس ويستدعون المختار ولد السالك في التنفيذ قائد فرقة الحرس المتواجدة عند المعرض .
تم تنفيذ الخطة بنجاح وتم إعلان الإطاحة بحكم المختار وحافظت اللجنة العسكرية على تشكيلتها حسب الخطة الأولى دون أن تظهر فيها أسماء مهمة وكبيرة داخل المؤسسة. ومع ذلك ظهرت أسماء عسكريين من غير أعضاء اللجنة في الحكومة مثل المرحوم أحمد ولد بوسيف والذي كان بعض الانقلابيين يعتبرون أن له علاقة جيدة بالمختار وبالتالي من العسكريين الموالين لحكمه على تقدير غير دقيق ،حيث كان أحمد تلقى لتوه ترشيحا من المختار ولا يريد مكافأته بانقلاب ، لكن السبب في عدم مناصبتهم جميعا العداء له أن أحد الانقلابيين طلب منه الانضمام لهم خروجا على رأي جماعته، لكن أحمد قال له أنه لن يكون معهم وأكد له بالمقابل أنه سيكون بمثابة من لم يسمع بهذا الموضوع .وهنا انتهت مرحلة متكاملة من تاريخ البلد. وكان الجيش حسب خطته يريد إزاحة المختار من أجل وقف الحرب.والعودة بالحكم إلى الإطار المدني. وبهذا كان يوم العاشر يوليو يوم فرحة عارمة بوقف حرب استنزافية لم يكن البلد يملك أي مقومات لها ولا أي أسبب موضوعي ولا استراتيجي لدخولها بل كانت خطأ فادحا من رجل وطني ومخلص لبلده وتامّ العقل أن ذلك يقع كثيرا ، وقد وقع ، بل مازلنا نشاهده .
بعد أن استتب الحكم للجيش، ظهر ضباطنا ضيقي الأفق على حقيقتهم. حاول المصطفى التأطير للمرحلة الجديدة حسب الاتفاق مع المدنيين ، لكن أعضاء اللجنة ذاقوا طعم الحكم ، وهكذا تم التراجع بسرعة عن الخيار الاستراتيجي الثاني للانقلاب وهو الحكم المدني وتم معه على نحو أسوأ التخلي عن الأرض بما فيها الأرض الموريتانية مثل لگويرة والداخلة وحتى مسار قطار الحديد بين نواذيبو وتزويرات للمغرب فأين هي دماء الشهداء وتضحيات الأبناء ! .لم يكن الضباط السامون بمن فيهم من تقلدوا الحكم على دراية كبيرة بخلفية الأحداث الدولية، ولا يملكون القدرة على تقييم الوضعية. كان الصراع على أشده بينهم على أساس من النوازع، وصار ذلك مركز الصراع ومركز الطموح للحكم إلى اليوم. وهكذا لم يتم تبني رؤية للوطن ولم يتم التطرق للقضايا الكبرى والاستراتيجية لهذا الشعب ولم يتم تحديد نهج عام بل خلال ثماني انقلابات ظلت كل أمة تلعن أختها . وهكذا أيضا صار يوم الانقلاب بمثابة يوماد للتطير .
من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد