أخبار اليوم. في خطوة رمزية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية عميقة، وجّه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني كبار المسؤولين في الدولة إلى قضاء عطلتهم السنوية داخل المدن الداخلية، بدلًا من السفر إلى الخارج.
قرار بسيط في ظاهره، لكنه يحمل في مضمونه رسائل واضحة حول طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تسود بين الدولة والمواطن، وبين المركز والأطراف، وبين النخبة والقاعدة الشعبية.
روح جديدة داخل المدن
يُعبر هذا القرار عن اهتمام رئاسي متزايد بالحياة اليومية للمواطنين في الداخل، وحرص على تعزيز العدالة المجالية وتكافؤ الفرص بين جميع فئات المجتمع. فحين يختار المسؤول قضاء عطلته في أطار أو كيفة أو كيهيدي بدل باريس أو إسطنبول، فهو يرسل رسالة مفادها أن الداخل يستحق الحياة، وأن المدن الداخلية ليست فقط ساحات عمل، بل أيضًا فضاءات للراحة والاستجمام والمشاركة.
مساواة في الفرص وتعزيز للثقة
إن هذا التوجيه لا يقف عند حدود السياحة الداخلية، بل يتجاوزها إلى إرساء مبدأ المساواة في الفرص، فالمواطن الذي يلتقي بالمسؤول في السوق أو الحديقة أو دار الضيافة، يكتسب إحساسًا بوجود الدولة بجانبه، وبأن النخب ليست بعيدة عنه ولا منفصلة عن واقعه. كما يعزز ذلك الثقة بين الطرفين، ويتيح للمسؤولين الاطلاع بشكل مباشر وغير رسمي على التحديات والفرص التي تزخر بها هذه المناطق.
دعم للاقتصاد المحلي
المدن الداخلية، التي كثيرًا ما تعاني من الركود في المواسم الصيفية، قد تشهد انتعاشًا اقتصاديًا بفعل هذا القرار. إذ إن تواجد عدد كبير من المسؤولين والموظفين العموميين وأسرهم سيساهم في تنشيط قطاعات الإيواء، والمطاعم، والنقل، والتجارة، والخدمات السياحية، ما يعني ضخ موارد جديدة في الدورة الاقتصادية المحلية، وتوفير فرص عمل مؤقتة ودائمة.
التعايش والانفتاح
توجيه فخامة الرئيس يساهم أيضًا في تعزيز قيم التعايش الأخوي، من خلال خلق فرص لقاءات وتبادل ثقافي بين مكونات المجتمع في جو بعيد عن الرسميات. فاختلاط النخب الإدارية بالمواطنين في الأحياء والأسواق والمناسبات الاجتماعية يعمق الشعور بالانتماء المشترك ويقوي روابط الوحدة الوطنية.
خطوة في الاتجاه الصحيح
هذا القرار يتكامل مع سياسة وطنية أشمل تعمل على إعادة الاعتبار للمجال الجغرافي الوطني برمّته، في إطار رؤية تنموية عادلة وشاملة. وهو دعوة غير مباشرة إلى كل الموريتانيين، مهما كانت مواقعهم، لأن يعيدوا اكتشاف بلدهم، ويشاركوا في بنائه من كل موقع وفي كل وقت.
خاتمة
إنها لحظة تستحق التوقف والتقدير. فحين تتحول العطلة من فرصة خاصة إلى مناسبة وطنية تعزز الاندماج والتلاحم، فإن الوطن كله يكون هو المستفيد.
وبمثل هذه القرارات الذكية والبسيطة في آنٍ واحد، تتجلى القيادة الرشيدة، ويُعاد بناء الثقة، وتُرسم ملامح موريتانيا متصالحة مع ذاتها، متساوية في فرصها، متماسكة في نسيجها، وماضية بثبات نحو مستقبل أفضل.
إن هذا القرار يشكل لبنة إضافية في مشروع الدولة الحديثة والعادلة، ويعكس إرادة سياسية قوية في إعادة التوازن بين المركز والأطراف، ورد الاعتبار للمجال الداخلي بوصفه فاعلًا في التنمية لا مجرد متلقٍ لها.
وإذا ما تم استثماره بالشكل المناسب، سواء من قبل المسؤولين أو من الفاعلين المحليين، فسيكون له ما بعده، وسيسهم في ترسيخ ثقافة وطنية جديدة قائمة على القرب والإنصاف والانتماء المشترك.