أخبار اليوم. نجحت موريتانيا والسنغال، بالتعاون مع شركة bp، في تصدير أولى شحنات الغاز الطبيعي المسال بأمان، إيذانًا ببدء التشغيل التجاري لحقل السلحفاة آحميم الكبير GTA لفترة لا تقل عن عشرين سنة قادمة أو تزيد.
وشهد التدشين، الذي أشرف عليه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رفقة نظيره السنغالي، اهتمامًا إعلاميًا واسعًا عكس الطابع الاستراتيجي لهذا المشروع الحيوي.
إن مشروع السلحفاة آحميم الكبير يشكل موردًا طبيعيًا، ليس فقط من خلال العائدات المالية، بل من خلال بناء القدرات الوطنية، وتدريب وتأهيل اليد العاملة الوطنية، وإدماج القطاع الخاص لقيادة هذه الصناعة الواعدة.
وهكذا تكون جهود تطوير المشروع قد توجت بالنجاح، معلنة الانضمام الفعلي لموريتانيا لنادي الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال.
وبهذا تكون بلادنا قد قطعت شوطًا إضافيًا في مسارها التنموي نحو تطوير الصناعة الوطنية، وتعزيز السيادة الطاقوية، والرفع من مكانتها كمصدِّر موثوق للطاقة، في ظل ما تتمتع به من مناخ استثماري وطني محفِّز، واستقرار سياسي ومؤسسي.
ودلّ إشراف فخامة رئيس الجمهورية على هذا التخليد، الذي تم في عرض المحيط، وتفقده للمنشآت العائمة، على الأهمية التي يوليها لهذا المشروع الحيوي، مؤكدًا التزام بلادنا بإدارة مواردها الطاقوية بحكمة ومسؤولية، بما يخدم الأجيال الحالية والمستقبلية.
وفي سياق تثمين حصة موريتانيا الموجهة للسوق المحلي، تعمل وزارة الطاقة والنفط على بناء محطات لإنتاج الكهرباء بالغاز، حيث سيتم بناء محطة كهربائية بقدرة 230 ميغاوات قرب اندياكو تعمل بغاز حقل السلحفاة آحميم الكبير. كما تم وضع الحجر الأساس مؤخرًا لمحطة كهربائية مزدوجة إضافية بقدرة 60 ميغاوات، سترفع من قدرة إنتاج المحطة المزدوجة لتصل 240 ميغاوات.
يعود اكتشاف تراكمات الغاز في منطقة المشروع لعام 2015، عندما كشفت شركة Kosmos Energy عن مؤشرات قوية لاحتياطيات هائلة مشتركة بين موريتانيا والسنغال، وهو ما أدى في ديسمبر 2018 إلى اتخاذ القرار النهائي للاستثمار (FID) الذي أطلق فورًا مرحلة التصميم الهندسي والأعمال البحرية. لكن جائحة كوفيد-19 أعاقت جدولة تسليم بعض المكونات الرئيسة لمنشآت المعالجة العائمة، مما استدعى إعادة ضبط جداول البناء وتأجيل بداية الإنتاج الفعلي إلى النصف الثاني من عام 2024.
وبالرغم من تلك التحديات، تمكّنت فرق العمل المشتركة من التغلب على الأثر السلبي للجائحة بفضل التزام مستمر، وسلاسل توريد مرِنة، وتنسيق محكم مع مختلف الأطراف الفاعلة في الحقل.
وأدت الاستجابة السريعة لهذه التحديات، والتنسيق الوثيق لشركة BP مع الفرق الفنية الوزارية، إلى تخطي الكثير من العقبات، وشكل هذا التنسيق عاملًا مهمًا في تراكم الخبرات لدى موريتانيا، معززةً تجربتها التي بدأت تخطو بثبات نحو النضج في عالم النفط والغاز.
إن بدء الإنتاج التجاري من حقل السلحفاة آحميم الكبير لا يكتسي أهمية من الناحية التقنية فحسب، بل من حيث الأثر الاقتصادي الهام الذي سيحققه للدولة الموريتانية؛ إذ سيوفّر إيرادات مباشرة لخزينة الدولة، وسيُعزّز فرص تطوير وتعزيز المحتوى المحلي عبر توظيف الفنيين والمهندسين، كما سيدعم الشركات الوطنية المتخصصة في الخدمات البحرية واللوجستية.
ونجحت بلادنا في تحديث إطارها التشريعي في ظل نظام تفضيلي لصالح الكوادر الوطنية، يضمن تعزيز العائدات المحلية، ويفتح المجال لتوسيع نطاق مشاركة المقاولين الموريتانيين في المراحل المقبلة، بهدف اكتساب بلادنا خبرة وتجربة معترف بها في مجال النفط والغاز.
أما آفاق المستقبل فواعدة، حيث يجري التخطيط للمرحلة الثانية من المشروع لرفع طاقته الإنتاجية إلى نحو خمسة ملايين طن سنويًا، على أن تصل عشرة ملايين طن من الغاز المسال سنويًا مع بداية المرحلة اللاحقة، ما يعزز قدرة موريتانيا والسنغال على تلبية الطلب العالمي المتزايد على مادة الغاز الاستراتيجية.
وموازاة مع ذلك، تتابع الحكومة تنفيذ مشاريع أخرى مثل حقل “باندا” المخصص لتوليد الكهرباء باستخدام الغاز، كما تسعى لتثمين الاحتياطات الضخمة لحقل “بيراللّ”.
إن الإنجاز الذي احتفلنا به يوم الخميس 22 مايو يمثل انتصارًا لإرادة دولتين، إفريقيتين جارتين، في استثمار ثرواتهما الطبيعية المشتركة، ويجسد نموذجًا ناجحًا للشراكة الإقليمية يُحتذى به في استغلال الموارد الطبيعية خدمة للتنمية.
والآن يحق لموريتانيا، أكثر من أي وقت مضى، أن ترنو نحو غدٍ اقتصادي مزدهر، ستكون له نتائج معتبرة في تغيير اللعبة التنموية برمتها، بما يحقق تطوير البنية الاقتصادية والصناعية، ويضمن بناء الكادر البشري، ويهيئ الظروف المواتية لبروز صناعات تحويلية محلية خدمة للوطن والإنسان الموريتاني.