أخباراليوم. يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن يصل سعر الذهب إلى مستوى قياسي هذا العام، إذ بلغ يوم الأربعاء الماضي 3348 دولارًا للأونصة، وهو أعلى سعر يسجله المعدن الأصفر في العقود الأخيرة.
في الأسواق المالية، كانت مؤشرات أسهم الشركات الكبرى في تراجع، والعملات الصعبة في انخفاض، غير أن مؤشرًا واحدًا واصل الصعود بلونه الأخضر، هو الذهب، ليضع الخبراء والمحللين في حالة من “الذهول”.
ويُرجع محللون هذا الارتفاع القياسي إلى الغموض المحيط بالرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى جانب تباطؤ متوقع في النمو الاقتصادي، ومخاوف من التضخم، وتزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة، كلها عوامل ساهمت في خلق بيئة مثالية لتحقيق الذهب مزيدًا من المكاسب.
الارتفاع اللافت بنسبة 26% منذ بداية العام لا يُعد تقلبًا عابرًا، بل يعكس تحولًا واضحًا في توجهات المستثمرين الذين باتوا يبحثون عن ملاذ آمن في ظل حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي، وفق تقرير لموقع “الشرق بلومبيرغ”.
ويرى محللون تحدثوا لوكالة “رويترز” أن الذهب يشكل “تحوطًا مثاليًا ضد عدم الاستقرار”، وهو ما دفع البنوك المركزية إلى رفع وتيرة مشترياتها من المعدن الأصفر، إلى جانب صناديق الاستثمار المتداولة التي سجلت تدفقات متزايدة نحو الذهب.
وفي هذا السياق قال الخبير الاقتصادي أمم انفع لصحراء ميديا، إن لطالما اعتُبر “معدن الأزمات” بسبب قدرته على حفظ القيمة، مضيفا أن الأزمات العالمية خلال السنوات الخمس الأخيرة، من جائحة كورونا وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، جميعها دفعت بأسعار الذهب إلى مستويات مرتفعة.
وقد قفز الذهب منذ بداية العام بنسبة 28%، متجاوزًا مكاسب بلغت 27% خلال عام 2024.
موريتانيا مستفيدة
هذا الارتفاع قد يسهم في تعزيز إيرادات الدول المصدرة للذهب، من بينها موريتانيا، بما ينعكس إيجابًا على النمو الاقتصادي ويدعم الناتج المحلي.
ولفت ولد انفع إلى أن موريتانيا مرشحة للاستفادة بشكل كبير من الارتفاعات القياسية في أسعار الذهب، بفضل دورها المتزايد كمنتج ومصدر لهذا المعدن النفيس، سواء عبر التعدين الصناعي أو التنقيب التقليدي.
ومنذ عام 2022، تصدّر الذهب قائمة صادرات موريتانيا، متفوقًا على الحديد والسمك اللذين سيطرا لعقود طويلة، وكانا الممول الرئيسي لميزانية الدولة.
غير أن الوضع تغيّر بعد تقنين الحكومة لعمليات التعدين الأهلي، ما فتح المجال أمام المواطنين للتنقيب عن الذهب واستخراجه وبيعه حصريًا للبنك المركزي الموريتاني.
وبحسب الوكالة الوطنية للإحصاء والتحليل الديمغرافي، بلغت قيمة صادرات الذهب في الربع الأخير من العام الماضي 19.177 مليار أوقية، مسجلة ارتفاعًا بنسبة 13% مقارنة بالفصل السابق.
وأنتج منجم تازيازت العام الماضي 622 ألف أوقية، أي ما يعادل 17.6 طنًا، في أداء مستقر مقارنة بـ621 ألف أوقية خلال عام 2023.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن دخول شركة “كينروس تازيازت” الكندية مجال التعدين في موريتانيا، ثم توسع عمليات التنقيب الأهلي، عزز من موقع البلاد كمصدر رئيسي للذهب، وهو ما يمنح الاقتصاد الموريتاني فرصة للاستفادة من الطفرة الحالية في الأسعار، سواء من حيث دعم النمو الاقتصادي، أو تقليص عجز الميزان التجاري، أو تحسين إيرادات الميزانية.
وأضاف ولد انفع أن الذهب بات يحتل الصدارة في صادرات موريتانيا، متجاوزاً الحديد، مما يعزز قدرة الدولة على الاستفادة من أي زيادة في الأسعار، خصوصاً من خلال الإتاوات والضرائب المدفوعة من قبل الشركات العاملة في القطاع.
فرصة للأوقية
كما قد يكون لهذا الارتفاع تأثير مباشر على قيمة الأوقية، التي تراجعت بشكل لافت، إذ فقدت نحو 15% من قيمتها مقابل الدولار، و18% مقابل اليورو عام 2023.
ويُعزى هذا التراجع إلى عاملين رئيسيين: خارجي مرتبط بارتفاع الدولار عالميًا بعد قرار الولايات المتحدة رفع الفائدة الأساسية لمواجهة التضخم، وداخلي ناتج عن أزمة الغذاء والطاقة التي شهدها عام 2022، والتي أدت إلى تراجع احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة إلى مستوى 3.2 مليار دولار.
ويعتبر الخبير الاقتصادي أمم انفع أن استقرار الأوقية خلال العام الماضي يعكس جزئيًا نجاح الإصلاحات التي نفذها البنك المركزي، لاسيما في ما يتعلق بإدارته لاحتياطاته من العملة الصعبة.
ويرى أن أحد العوامل المحورية التي ساهمت في هذا الاستقرار هو ارتفاع أسعار الذهب، الذي بات يشكل قاطرة حقيقية للصادرات الموريتانية.
وتابع في حديثه: “أي ارتفاع في أسعار الذهب ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الموريتاني، سواء من خلال تقليص عجز الميزان التجاري، أو من خلال تحسين الإيرادات العمومية عبر الضرائب والإتاوات التي تدفعها شركات التعدين، مما يدعم ميزانية الدولة ويعزز قدرة البنك المركزي على رفع احتياطاته من العملة الصعبة، وبالتالي الحفاظ على استقرار العملة الوطنية”.
وأشار ولد انفع إلى أن البنك المركزي الموريتاني يستفيد من الذهب عبر شقين: أولهما عبر المبيعات الصناعية، حيث تصدر الشركات الأجنبية المنتجة الذهب بأسعار تتجاوز السعر العالمي، ما ينعكس إيجابًا على تغذية احتياطات البلاد من العملة الصعبة؛ أما الشق الثاني، فيتعلق بالذهب التقليدي، حيث بدأ البنك المركزي منذ 2022 شراء الذهب من المنقبين، لكنه تراجع لاحقًا عن ذلك بعد التشاور مع صندوق النقد الدولي، مع بقاء استفادته غير المباشرة قائمة عبر شركة “معادن موريتانيا”.
ولضمان تعظيم العوائد الوطنية من الذهب، شدد الخبير على ضرورة تركيز الدولة على ثلاث محاور رئيسية: أولًا، تعزيز الرقابة على الشركات الأجنبية وتدقيق بياناتها المالية لضمان دفع الضرائب والإتاوات المستحقة؛ ثانيًا، مكافحة تهريب الذهب المستخرج من قبل المنقبين التقليديين، خاصة أن نسبة كبيرة منه – تُقدّر بـ60% – لا تمر عبر القنوات الرسمية؛ ثالثًا، تنظيم سوق التنقيب التقليدي ودمجه بشكل أفضل في الاقتصاد الرسمي.
وخلص ولد انفع إلى أن إدماج الذهب ضمن مكونات الصادرات الموريتانية منح الاقتصاد الوطني مرونة إضافية في مواجهة تقلبات الأسواق العالمية، وساهم في تحييد أثر تراجع أسعار خام الحديد، مما يجعل من ارتفاع أسعار الذهب فرصة حقيقية لتعزيز الاستقرار النقدي وتحقيق مكاسب مالية مستدامة للبلد.