محمد فال ولد بَلال يكتب التعددُ .. والجمعُ

author
0 minutes, 1 second Read

أخبار اليوم.   كنا نتوقع مع الاستقلال الوطني و رفع العلم و تحية النشيد و بناء مؤسسات الدولة من رئيس و حكومة و برلمان و إدارة و جيش و مدارس و إذاعة و عملة وطنية و تأميم شركات أجنبية و بناء طرق و مواصلات تربط أنحاء الوطن ببعضها البعض…كنا نتوقع أنّنا سنفكر في أنفسنا كمواطنين موريتانيين؛ و لكن الأمور سارت و تسيرُ على عكس ما كنا نتوقع لها…لم يظهر “المواطن الموريتاني” المتجاوز لذاته الخاصة الذي ينسى قوميته و فئته و شريحته و عشيرته…و يحتضن “الوطن” بأسره؛ بل بدأ صوت الفئوية و الشرائحية و ضجيج الخصوصيات يتصاعد من كل جهة و مكان… ظهر الفرد البيظاني، و الكوري، و الشمالي، و الجنوبي، و أخوك الحرطاني، وأخوك الصانع، إلخ…

 

إننا جميعا نستنكر و ندين تصاعد هذه الولاءات الضيقة؛ لكنه يبقى واقعا مريرا و حقيقة فرضت نفسها منذ تسعينات القرن الماضي بفعل العولمة و عجز النخب الحاكمة عن التأقلم و التعامل مع انهيار التوازنات الداخلية و العالمية. و فشلت محاولات “التحديث” و “التدوّل” المرتجلة التي قوّضت مؤسسات المجتمع التقليدي المستقر منذ قرون، و لم تبنِ  محله “نظاما بديلا عنه”. قوضت دور القبيلة و ما كانت تمثله من إطار جامع. و قوضت دور “المحاظر” و ما كانت توفرّه من تربيّة زكيّة و هدْي و توجيه. و قوضت النظام القضائي العادل و النزيه. و أضعفت المرجعّيات الشرعية والعرفِية والأخلاقية التقليدية؛ و في الوقت ذاته نصبت كل العراقيل و الحواجز في وجه بناء “الدولة-الحديثة” [l’Etat-moderne] مُخلفة مجتمعا “تائها” يضطرّ فيه المرء إلى العودة إلى ذاته الأدنى و فئته و شريحته لجماية نفسه أو كسب حقوقه…

 

و هكذا، مرّت 6 عقود و نحن نقول و نُكرّر بأنّنا شعب واحد، و بأنّ الناس ليسوا فئات أو شرائح أو مناطق أو مصالح، وإنما كلّ واحد متـّحد متكامل، لا يتجزأ…6 عقود ونحن نلهج بأننا “أمة” واحدة،  متحابون و متساوون في الحقوق و الواجبات؛ و لكن هذا لم يغير شيئا من الواقع الفسيفسائي الذي فرض نفسه. فبدأنا نتعامل مع التعددية و التنوع بازدواجية غريبة بين مواقف العلن و مواقف الخفاء… في العلن نحن شعب واحد لا يتجزأ .. لا بيظاني، و لا حرطاني، و لا صانع، و لا كوري.. و في الخفاء نحن بيظان، و احراطين، و صنّاع، و اكور، و مناطق، و قبائل شتى…و لا يمرُّ يوم أو يصدرُ قرار إلاّ و هذه التركيبة حاضرة في الأذهان و مأخوذة في الاعتبار. لماذا لا نتعامل مع أنفسنا بواقعية و شفافية و صدق؟ لماذا نعلن غير ما نخفي، و نخفي غير ما نعلن؟ ما الضير في أن نقول بصراحة إننا شعب واحد متعدد الأعراق و الفئات؟ و ما الضير في أن نقول بوضوح إن بعض مكونات شعبنا تشعر بالحرمان و تحس بالغبن؟ و ما الضيرُ في أنْ نقول بصراحة إنّ مواطنينا الزنوج لهم هويتهم و شخصيتهم الثقافية المميّزة، و لهم الحق في الاختلاف و التعبير عن وجودهم الذّاتي بالطرق السلمية و في إطار وطن جامع يتسع للجميع و يسعُ الجميع؟ لا أرى ضيرا في هذا كله في ظل دولة القانون، بل أعتبره الضامن الوحيد للوحدة الوطنية.

 

فلنكُن واقعيّين… لا مناصّ من وجود حركات مثل “إيرا” و “افلام” و خطابات تقول بتخلف هذا المكون أو ذاك في بلاد متعددة الأعراق و القوميات…هذا هو منطق التاريخ… حيثما وُجدت مجموعات تشعر بالظلم و الاضطهاد، لا بُدّ و أنْ ينتشر الوعي بتخلفها مع مرور الوقت، ثم تظهر نخبة متعلمة من أبنائها يزداد بها الوعي و الادراك بهذا التخلف في ظلّ مناخ سياسي عالمي مؤاتي لأطروحات تتخذُ من “الانسانية” شعارها، مثل : محاربة الاسترقاق و التمييز العرقي و اللامساواة و انتهاك حقوق الإنسان و التهميش و الإقصاء، وما شابه… وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن كل الحركات المطالبة بحقوق الشرائح و الفئات و محاربة الرق و التمييز، هي حركات مفيدة أو بنّاءة أو مشروعة، أو عادلة…هناك بالطبع من يصطاد في المياه العكرة، و هناك من يدخل الحلبة من أجل التربح أو من باب المعاندة و الانشقاق …كم كلمة حق يرادُ بها باطل !؟ و لذا ، تجدرُ الاشارة إلى محاذير يتعيّن الانتباه إليها في طرح موضوع الشرائح و الفئات و الأقليات القومية كي لا نخطئ في مقاربة الإشكالية، بما يجعلنا نعالج خللا أو منكرا فنتورط في خلل أو منكر أشد منه. و الفرق كبير بين المطالبة بحقوق مشروعة للأقليات أو الفئات المظلومة و بين تفكيك المجتمع و زرع الفتنة و الانشقاق و الانفصال و الانفصام. و هنا يكمن دور النخبة الواعية التي يمكنها عبر الحوار و النقاش تطويق الحركات المطلبية و تأطيرها و ترويضها و تهذيبها و درء مخاطرها و شرورها بالتي هي أحسن، بعيدا عن التحريض، و الغوغاء، و صبّ الزيت على النار.

محمد فال ولد بَلال

Similar Posts

موريتانيا والأمم المتحدة تبحثان التحضير لجلسات الحوار الاستراتيجي جانب من اللقاء الذي جمع وزير الاقتصاد بالمسؤولة الأممية جانب من اللقاء الذي جمع وزير الاقتصاد بالمسؤولة الأممية أجرى وزير الاقتصاد والمالية سيد أحمد ولد أبُوه، اليوم الخميس، مباحثات مع المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في موريتانيا ليلى بييتر يحيى، حول التحضير لجلسات الحوار الاستراتيجي بين موريتانيا ووكالات الأمم المتحدة. وخلال لقاء جمع الوزير بالمسؤولة الأممية؛ تم التركيز على سبل تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية، وفق ما نقلته وزارة الاقتصاد على صفحتها بالفيسبوك. وتناول اللقاء أوجه التعاون القائمة بين موريتانيا والأمم المتحدة وطرق تطويرها بما يخدم الأولويات الوطنية، مع التأكيد على أهمية التنسيق لدعم البرامج والمشاريع التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز القدرات الوطنية. واستعرض الطرفان عدداً من الملفات ذات الاهتمام المشترك، مع التركيز على تطوير الشراكات وإيجاد حلول فعالة للتحديات التنموية التي تواجه البلاد، بما يضمن تنفيذ المشاريع الاستراتيجية بكفاءة، حسب الوزارة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *