استحقاقات 13مايو …قراءة في هزيمة المعارضة وتعثر الحزب الحاكم في الشمال والجنوب…

author
0 minutes, 0 seconds Read

وكالة أخبار اليوم    ـــ كشفت نتائج انتخابات الثالث عشر مايو الجاري جملة من الأمور منها المتوقع وغيره، لعل أبرزها ما أظهرته من أن المعارضة الموريتانية تعيش خريف العمر، إن نقل أرذله، فبعدما أجهز الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على خطابها وتركها خاوية على عروشها، بوضعه سقفا زمنيا للترشح(التكتل والتحالف)، وقيامه بخطوات ذات تأثير اجتماعي، ووصم المنتمين إليها بالمفسدين، وكشفه علاقتها غير الجيدة بالمال كما ظهر للرأي العام بعد حادث ولد غده جاءت انتخابات مايو 2023 لتأتي على بقية روحها.
وحين نتوقف عند كل مكون من مكونات هذه المعارضة نتبين أسباب الوهن الذي أصابه، وجعله غير قادر على المنافسة، فاتحاد قوى التقدم أنهكته الانقسامات الداخلية، ووصف رئيسه من قبل بعض قيادييه بالفشل، وتحول من حزب عقائدي إلى حزب يعقد تحالفاته على أساس الانتماءات القبلية، فضلا عن كونه حصل في آخر انتخابات على 02% رغم تحالفه مع أحد أعرق أحزاب المعارضة هو حزب التكتل.
جو التهدئة دق للمسمار في نعش المعارضة
بعدما فعله عزيز بها جاء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ليجهز على هذه المعارضة بما دشنه من تهدئة سياسية، كانت كارثية على المعارضة، وزادت من عجزها ووهنها، وأظهرتها بمظهر جعل مناضليها لا يتبينون هل هم مع النظام أم ضده، ولعل في تصريحات القيادية السابقة بالتكتل منى بنت الدي في فترة من الفترات أكبر مثال على ذلك.

مع استمرار التهدئة غاب الاتصال بين المعارضة وقواعدها، كما غاب التنشيط، وظهر قادة المعارضة بمعية الرئيس، حتى مسعود الذي لم يكن كامل الود للنظام لم تصدر عنه مواقف حدية كعادته، وتحولت أحزاب المعارضة التقليدية إلى مجسمات وأسماء وقبور .
تواصل وبيرام والضربات الموجعة
لم يكن حزب “تواصل”، ولا حزب “الرك” قيد التأسيس أحسن حالا من أحزاب المعارضة التقليدية، فتواصل أثرت فيه عشرية عزيز التي حشرته في وسط مناوئ، ففصيله الذي ينتمي له (الإخوان المسلمين) كان محل ضربات موجعة ما جعله يتوجس خيفة من أن يلقى نفس المصير، فبدا ملزما بالتهدئة، مكرها لا بطلا، ضف إلى ذلك أن حزب “تواصل” عانى من مشكلة تتعلق بمنافسته على المكانة والريادة داخل المعارضة، تلك المنافسة التي جلعت مشاركته في بعض الأحيان تبدو وكأنها منافسة على تصدر المعارضة لا غير،  فهي ليست ضد السلطة يقدرما هي موجهة للصراع على الريادة داخل المعارضة، حتى يخيل للرائي أن همّ “تواصل” الأول والأخير هو منافسة ريادة التكتل، وهو وإن حقق ذاك الهدف مع الوصول إلى زعامة المعارضة، إلا أن تحقيق طموحه كان على حساب الخط المعارض، لأن القوى المعارضة أصبحت تنظر إليه كمنافس لا كحليف، وساهمت في تجذر هذه النظرة مواقف “تواصل” في الخروج على إجماع المعارضة، واتخاذ مواقف موغلة في الانتهازية السياسية.
مع وصول ولد الغزواني للسلطة تأثر التواصليون سلبيا لأنه أعلن التهدئة واستقطبت منهم قيادات بارزة، ما قلل من قدرة الحزب على المنافسة وحتى على حسن الاختيار، حيث غاب عنه أن الناخبين لا يُملكون ــ كما يتصور البعض ــ فالحسن ولد محمد في عرفات يمكن أن يحقق ما عجز عنه الآخرون، وتحييده عن المنافسة في عرينه سبب من أسباب الخسارة، كما أن الدفع ببرلمانية ناجحة إلى حرب تقليدية في بلدية من بلديات نواكشوط كان استراتيجية خاطئة، أكدت أن تواصل خلط بين المبادئ والاستراتيجة في الترشح والبركماتية ما حول الحزب إلى يافطة، ــ وما أزمة زعيم المعارضة منا ببعيد ــ .

تأثر التواصليون كذلك بالفتور في علاقات موريتانيا بقطر والحليف الأول الامارات والسعودية، كما أن علاقة الإخوان مع السعودية والامارات لم تتم تسويتها مما ألقى  بظلاله على تواصل، رغم كل تلك المصاعب ظل حزب تواصل الحزب الأقوى داخل المعارضة، والوحيد الذي يملك بنية الحزب ويسير وفق ٱليات، ويعقد مؤتمراته بانتظام، وهيئاته تعمل .
أما حزب الرك قيد التأسيس فقد تأثر إيجابا وسلبا بعلاقة زعيمه مع غزواني، فقد أعطته مسحة اعتدال حيث ظهر بخطاب غير تصعيدي كما لم يكن في أي فترة سابقة،  كما استفاد من تسخير ــ ولأول مرة ــ  الإدارة العامة حيث استقبله الحكام والولاة والهيئات الحكومية، وتمت تغطية زياراته من قبل التلفزيون الرسمي مما يعني اعترافا رسميا به، بالإضافة إلى الاستفادة المادية التي ترجمت في منحه رواتبه ككاتب ضبط؛ والاستفادة من الامتيازات البرلمانية غير المشروطة بالحضور، ما وفر له دخلا ماديا معتبرا، فضلا عن الاعتراف بحركة إيرا ووعد بالاعتراف بحزب الرك .

مقابل تلك الفوائد تضرر حزب “بيرام”  من إظهار زعيمه كثيرا من التقرب من النظام جسدته مقولته المشهورة(ريت صاحبي)، ما جعل رجوعه من تلك الطريق واتخاذ موقف مخالف لا ينظر إليه بعين إيجابية .كما أنه بدا مهادنا لفترة طويلة ما جعل غشاية على أعين مناصريه.
إذن ضعف بيرام لأن مبررات المهادنة بترخيص الحزب لم تحدث، والنظام قطع الاتصال به دون سابق إنذار ما أضعف مفعول محاولاته لترك باب للرجوع.
الظرف الزمني والخطأ في التقدير

لم يكن وهن المعارضة وحده هو ما أثر في نتائجها في انتخابات الثالث عشر مايو بل إن ظروف العملية الانتخابية وما اكتنفها، كان له دور حاسم في نتائج ما تسميه المعارضة “مهزلة الانتخابات”، فتمثيل المعارضة في لجنة الانتخابات، ومشاركتها بقوة في الاستحقاقات، وما طبع الحملة من ترغيب وترهيب ساهم في النتائج الكارثية للمعارضة، وأظهر أن العاضين بالنواجد على المعاضبة يسعون لتحديد أوزانهم في أفق الانتخابات الرئاسية أكثر من أي شيء آخر .

كما أن المعارضة ربما تكون أخطأت في تصورها لضعف النظام، ولم يحدث ما توقعته من غياب للصرامة في التعامل مع المغاضبين .

فضلا عن ذلك فإن لجنة الانتخابات التي تفتح عليها المعارضة النار هذه الأيام سوء تسييرها كان نتيجة حتمية لعجز سابقتها عن تحديد نقاط ضعفها والعمل على معالجتها، فمسؤولية اللجنة هي ابتكار مدونة انتخابية في ضوء متطلبات اقتراع خال من الملاحظات، والمصيبة الكبرى أن هذه ليست أول انتخابات يشكك في نتيجتها، والأخطاء التي وقعت فيها هذه اللجنة هي نفسها الأخطاء التي وقعت فيها سابقتها، وهي أخطاء تعود إلى غياب المحاضر لدى ممثلي الأحزاب، وغياب المعايير في اختيار رؤساء المكاتب، وغياب جهاز بصمة يضمن مصداقية الانتخاب، كل ذلك لم تنتظر  المعارضة معالجته، بل وحتى لم تعلق عليه وهي تسير إلى الانتخابات، بينما اكتفت باستقبال  المغاضبين رغم ما يمثله ذلك من عدم احترام للقوانين ” قانون منح الترحال السياسي”، كما أنها سكتت عن تعطيل حق دستوري وهو حق إنشاء الأحزاب، ليتأكد للجميع أن خمس سنوات من الصمت السلبي للجنة الانتخابات أكد أن أعضاءها لم يعتبروها دار بقاء وإنما محطة عبور.

في نواكشوط انتصرت النسبية

من غرائب انتخابات الثالث عشر مايو خسارة المعارضة للعاصمة نواكشوط التي كان ينظر إليها على أنها قلعتها المحصنة، غير أن فوز حزب الإنصاف ببلديات نواكشوط رغم أهميته الرمزية، يبقى انتصارا خادعا إن لم نقل عنه إنه فوز مغشوش، يعود الفضل فيه للنسبية أولا وأخيرا، فلولاها لتم جر الحزب إلى شوط ثان، بعدما لم يحصل في أي من بلديات العاصمة على 50%، وبالتالي كان على موعد ــ لولا النسبية ــ مع شوط ثان ستتكالب فيه ضده المعارضة وينتهي بهزيمة منكرة في أغلب الأحيان.

ليست النسبية وحدها هي من صنع الفوز حزب الإنصاف الصوري في نواكشوط، فقد ساعد فيه التسجيل عن بعد الذي مثل رافعة لأصحاب المال والأعمال، وغير المعطيات الديمغرافية في أكثر من دائرة انتخابية.

تعثر الحزب الحاكم في الشمال والجنوب هزيمة خيارات

كشفت انتخابات الثالث عشر مايو في ما كشفت تعثر حزب الإنصاف الحاكم في الشمال الموريتاني وفي ولايات الضفة، حيث هزم في نواذيبو، وبئر أم اكرين، ووادان، وفقد بلديات أطار وأوجفت اللتين يخوض فيهما شوطا ثانيا في النيابيات، كما أنه يخوض شوطا ثانيا في ثلاث مقاطعات من مقاطعات لبراكنه، وفي كل مقاطعات ولايتي كوركول وغيدي ماغه التي لا توجد فيها النسبية.

جل المحللين يذهب إلى أن هزيمة الحزب الحاكم في الشمال الموريتاني كانت هزيمة خيارات، لا هزيمة نظام، فالتخبط الذي طبع اختيار المرشحين في الشمال، وحضور تصفية الحسابات فيها، وغياب المعيارية في الاختيار، هو ما عجل بهزيمة الحزب في الشمال وليس لأن سكانه يتعلقون بالرئيس السابق أو يعارضون خلفه.

ولعل فوز الحزب الحاكم في إينشيري ــ معقل المعارِض الأكبر ــ ليس سوى محاولة للكفر بالموالاة، تماما كما كان يفعل البوتلميتيون أيام ولد الطايع، فضلا عن كون إينشري به رجال أقوياء مع السلطة ويريدون إثبات ذلك والترشيحات فيه وجدت مصداقية، عكس نظيرتها في بقية ولايات الشمال والتي كانت كارثية ف(القاسم ولد بلال) بدل ترشيحه وضعت المتاريس أمامه من قبل الحزب، عبر وضع شروط تعجيزية لذلك، ما اضطره للترشح من خارج الحزب، ليرسل له الحزب أحد سكان روصو غير مندفع، عامل الأرض والجمهور ليس لصالحه، فهزم شر هزيمة.

المدينون للمخزن في شمال البلاد سكتوا على مضض، لكن تلك الاختيارات الحزبية ستبقى نقمة كامنة يسرونها في أنفسهم، أما من له ظهير انتخابي منهم فلم يسكت، وربما غذت المغاضبة في الشمال علاقته مع النظام السابق باعتبار أن النظام الحالي هو من انتزع منه السلطة، وباعتبار النظام الجديد قوى مراكز منتمية للشرق على حساب الشمال.

الجنوب والتصويت العرقي!!!

نتائج انتخابات الثالث عشر مايو أثبتت أن الزنوج لا يصوتون إلا لأنفسهم، ولذلك نلاحظ فوز أو تقدم الأحزاب التي رشحت من الزنوج كحزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، مسلمة عدم تصويت الزنوج لغير أنفسهم جعلت الجنوب خزانا انتخابيا للوائج الوطنية، وعجّلت بخسارة من كانوا يعولون على أصوات الزنوج كبيرام مثلا.

وفي انتظار إعلان نتائج الشوط الثاني من الانتخابات، لا يفوتنا التنبيه إلى أنها ومن باب الصدفة جعلت الحزب الحاكم ينافس في نفس العدد من الدوائر الذي نافس فيه في انتخابات 2018، وهو 22 دائرة، فهل سيحسمها كما حسمها يومئذ؟

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *