لماذا تتواصل جرائم اغتصاب النساء في موريتانيا؟-قراءة في الأسباب والحلول/ تماد إسلم أيديه

author
0 minutes, 0 seconds Read

أخباراليوم.  ما  تزال جرائم الاعتداءات الجنسية واغتصاب النساء في موريتانيا تتواصل بوتيرة ملفتة، مثيرةً قلق المجتمع بجميع مكوناته، وطارحةً أسئلة جوهرية حول أسباب استمرار هذه الجرائم رغم تكرار الصدمة المجتمعية وتعدد ردود الفعل الغاضبة.

غير أن الإحاطة الحقيقية بحجم الظاهرة تظل معقدة، في ظل غياب إحصاءات رسمية شفافة، وارتفاع معدلات عدم التبليغ، إلى جانب التستر الأسري والاجتماعي، وأحيانًا القانوني، على عدد من الوقائع.

ووفق معطيات صادرة عن جمعيات حقوقية موريتانية، تشير بعض التقديرات إلى تسجيل ما بين 300 و500 حالة عنف جنسي ضد النساء والفتيات سنويًا ضمن إحصاءات جمعية واحدة فقط. وإذا أُخذت بعين الاعتبار بقية أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، فقد تقترب الأرقام من نحو 1000 حالة أو أكثر سنويًا، وهو ما يعكس حجمًا خطيرًا للظاهرة، يتجاوز بكثير ما يظهر إلى العلن.

كما تُظهر تقارير إعلامية وحقوقية تسجيل ارتفاع ملحوظ في بعض السنوات، بل وحتى خلال فترات زمنية قصيرة، حيث سُجلت عشرات الحالات في أشهر معدودة، في حوادث صادمة خلّفت أثرًا بالغًا في الرأي العام، قبل أن تعود إلى دائرة النسيان.

لماذا تستمر هذه الجرائم؟

الأسباب البنيوية والدوافع الخفية

1. الفجوة القانونية والوصم الاجتماعي

يُعد القصور في الإطار القانوني أحد أبرز أسباب استمرار جرائم الاغتصاب في موريتانيا، إذ يفتقر القانون الجنائي إلى تعريف دقيق وواضح لجريمة الاغتصاب وفق المعايير الحديثة.

هذا الخلل التشريعي يضع الضحية، في بعض الحالات، أمام خطر المتابعة القضائية إذا لم تتمكن من إثبات غياب الرضا، وهو عبء إثبات ثقيل يدفع كثيرًا من النساء والفتيات إلى الصمت، خوفًا من الوصم أو العقاب بدل الإنصاف.

وهكذا تتحول العدالة، في نظر الضحية، من ملاذ آمن إلى مصدر تهديد.

2. الثقافة الاجتماعية ولوم الضحية

لا يزال جزء معتبر من المجتمع ينظر إلى الاعتداء الجنسي باعتباره “عارًا” أسريًا أو اجتماعيًا، لا جريمة مكتملة الأركان. وغالبًا ما تُمارَس ضغوط نفسية واجتماعية على الضحية لإجبارها على الصمت، أو القبول بتسويات تقليدية داخل الأسرة أو القبيلة، بذريعة “الستر” أو “الحفاظ على السمعة”.

هذا المنطق لا يحمي المجتمع، بل يُكرّس الإفلات من العقاب، إذ يبقى الجاني بعيدًا عن المساءلة، بينما تُترك الضحية وحيدة في مواجهة الصدمة والنبذ. كما يؤدي انخفاض التبليغ إلى بقاء عدد كبير من الجرائم خارج السجلات الرسمية، ما يفرغ أي سياسة مكافحة من مضمونها الحقيقي.

3. ضعف تنفيذ القانون وغياب منظومة دعم الضحايا

حتى في الحالات التي تصل إلى مراكز الشرطة أو أروقة القضاء، تواجه الضحايا عراقيل متعددة، من بينها ضعف التكوين المتخصص لدى بعض عناصر إنفاذ القانون، وغياب المقاربة الحساسة لقضايا العنف الجنسي، إضافة إلى طول الإجراءات وتعقيدها.

ويزيد الوضع تعقيدًا غياب عدد كافٍ من الملاجئ الآمنة، وضعف خدمات الدعم النفسي والصحي، وندرة المساعدة القانونية المجانية، ما يجعل مسار التقاضي والتعافي شاقًا، ويدفع بعض الضحايا إلى التراجع عن متابعة القضايا، حفاظًا على سلامتهن النفسية أو الاجتماعية.

4. غياب العقوبات الرادعة والإفراج عن الجناة

من أخطر أسباب استمرار جرائم الاغتصاب في موريتانيا أن الجناة في كثير من الحالات لا يتلقون عقوبات رادعة تتناسب مع جسامة الجريمة. فغالبًا ما يُعتقل المتهم لفترة زمنية محدودة، ثم يُطلق سراحه لاحقًا، إما بسبب ضعف الأدلة، أو طول الإجراءات، أو ضغوط اجتماعية، أو تسويات غير معلنة.

هذا الواقع يبعث برسالة خطيرة مفادها أن ارتكاب جريمة الاغتصاب قد لا تكون لها عواقب حقيقية، ما يشجع على التمادي ويُضعف هيبة القانون، ويجعل الضحية تشعر بأن العدالة لا تحميها، بينما يخرج الجاني ليعود إلى المجتمع دون مساءلة حقيقية أو ردع فعلي.

دوافع الجناة: العنف كأداة سلطة

الاغتصاب ليس فعلًا عشوائيًا دائمًا، بل يرتبط في كثير من الحالات بدوافع واضحة، من بينها:

  • الإحساس بالسلطة والسيطرة على الضحية.
  • اختلال موازين القوة داخل العلاقات الاجتماعية أو الأسرية.
  • تأثير بعض العوامل، مثل تعاطي الكحول أو المخدرات.
  • بيئات اجتماعية تُطبّع مع العنف أو تبرّره ضمنيًا.
  • وفي بعض السياقات الهشة، يُستخدم العنف الجنسي كأداة قمع أو إذلال، ما يضاعف أثره التدميري على الضحية والمجتمع ككل.

الضيقة الإعلامية- حين يتحول الصمت إلى شريك في الجريمة

لا يمكن فهم استمرار هذه الجرائم دون التوقف عند دور الإعلام وحدوده،فباستثناء لحظات الصدمة الكبرى، يعاني ملف الاغتصاب من ضيقة إعلامية واضحة، تتجلى في التغطية الموسمية، والخوف من الاقتراب من “المحظور الاجتماعي”، وغياب التحقيقات الاستقصائية المعمقة.

هذا القصور الإعلامي يُسهم في إعادة إنتاج الصمت، ويفصل الجريمة عن سياقها البنيوي، ويحوّلها إلى حادثة فردية لا إلى ظاهرة تستوجب النقاش والمساءلة.

الحلول المقترحة- كيف يمكن كسر دائرة العنف؟

1. تطبيق شرع الله بوصفه ضمانة للردع والعدالة

يرى كثير من الموريتانيين أن الحل الجذري لهذه الجرائم الخطيرة يكمن في تطبيق شرع الله تطبيقًا عادلًا وصارمًا، باعتباره منظومة متكاملة تحقق الردع، وتحمي المجتمع، وتصون كرامة الإنسان.

فالشريعة الإسلامية تولي عناية قصوى بحفظ النفس والعِرض، وتقر عقوبات رادعة للجرائم الكبرى، بما يمنع التهاون أو الإفراج غير المبرر عن الجناة، ويبعث رسالة واضحة بأن الاعتداء على الأعراض خط أحمر لا تساهل فيه.

2. تحديث الإطار القانوني

  • سنّ نصوص واضحة تُجرّم الاغتصاب وكل أشكال العنف الجنسي بوضوح.
  • إزالة أي لبس قانوني قد يعرّض الضحية للملاحقة بدل الحماية.
  • ضمان سرعة البت في القضايا وتنفيذ الأحكام دون تسويف.

3. حماية ودعم الناجيات

  • إنشاء ملاجئ آمنة تقدم خدمات طبية ونفسية وقانونية متكاملة.
  • استحداث وحدات شرطة وقضاء متخصصة في قضايا العنف الجنسي.
  • تسهيل الولوج إلى العدالة دون تعقيدات أو وصم.

4. التوعية والتثقيف المجتمعي

  • إطلاق حملات توعية في المدارس والمساجد ووسائل الإعلام.
  • محاربة ثقافة لوم الضحية وتعزيز قيم المسؤولية والمساءلة.
  • إشراك الرجال والشباب بوصفهم جزءًا من الحل لا من المشكلة.

خاتمة

إن استمرار جرائم اغتصاب النساء في موريتانيا ليس مجرد أرقام صادمة، بل نتيجة تراكميّة لعوامل قانونية واجتماعية وثقافية وإعلامية متشابكة. والأخطر من الجريمة نفسها هو تطبيع الصمت حولها، والتهاون مع الجناة، وتحويل العدالة إلى مسار بطيء لا يطمئن الضحايا.

مواجهة هذه الظاهرة تتطلب حزمًا تشريعيًا، وعدالة صارمة، وتطبيقًا منصفًا لشرع الله، إلى جانب إعلام شجاع ومجتمع يضع كرامة الضحية فوق كل اعتبار.

إن كسر دائرة العنف يبدأ بالاعتراف، ويستمر بالإصلاح، ولا يكتمل إلا حين يصبح الاعتداء على الأعراض جريمة لا تُغتفر، وحين تتحول العدالة إلى حصن للضحايا، لا بابًا يخرج منه الجناة أحرارًا

Similar Posts