أخبار اليوم. . كلام الرئيس عن رباط المواطنة واللحمة الاجتماعية في ذاته صحيح من حيث المبدأ، بل هو شرط بديهي لبقاء أي دولة. غير أن إطلاق هذا الخطاب من منصة مهرجان تراثي رسمي، في ظل واقع اجتماعي واقتصادي مأزوم، يجعله يبدو أقرب إلى تشخيص نظري منه إلى مصارحة سياسية.
فالمواطنة لا تُقاس بالنوايا، بل بـ السياسات العامة وبما يشعر به المواطن حين ينظر إلى:
فرص الولوج إلى الوظيفة،
توزيع الثروة،
تكافؤ الحظوظ أمام الإدارة،
وحياد الدولة تجاه الانتماءات القبلية والقرابية.
2. أين يتعطل خطاب المواطنة؟
حين يتحدث الرئيس عن “دور سلبي لبعض النخب”، فهو ينقل جزءًا من المسؤولية إلى الخارج، بينما السؤال الجوهري هو:
> هل سلوك الدولة نفسه يعزز المواطنة أم يقوضها؟
لأن أخطر ما يضعف رباط المواطنة ليس خطاب النخب، بل:
التعيينات المبنية على القرب لا على الكفاءة،
تركّز الامتيازات الاقتصادية في دوائر ضيقة،
شعور قطاعات واسعة بأن الدولة لا تمثلها بل تُدار لصالح فئة بعينها.
عندما يرى المواطن أن:
أبناء نافذين يحظون بفرص مغلقة أمام غيرهم،
وأن الثروات الطبيعية (كالتعدين) تحوم حولها شبهات احتكار أو نفوذ غير شفاف،
وأن برامج التنمية لا تغيّر واقعه المعيشي بل تعيد إنتاج الفوارق،
فإن الخطاب عن المواطنة يفقد مصداقيته تلقائيًا، مهما كان منمقًا.
3. المواطنة لا تُطلب… بل تُبنى
لا يمكن للدولة أن تطلب من النخب والمجتمع:
تجاوز القبلية،
أو نبذ الشرائحية،
بينما آليات الحكم نفسها تُكافئ الانتماء والقرابة والولاء أكثر مما تكافئ الاستحقاق.
المواطنة لا تُبنى عبر المهرجانات ولا عبر الخطب، بل عبر:
شفافية حقيقية في التعيينات،
عدالة في توزيع الفرص،
محاسبة واضحة للنافذين قبل الضعفاء،
وفصل فعلي بين السلطة والثروة.
4. المفارقة الكبرى
المفارقة التي يلمسها المواطن العادي هي:
أن الدولة تتحدث عن تفكيك القبلية،
بينما يشعر هو أن القبيلة تحولت من إطار اجتماعي إلى قناة امتياز سياسي واقتصادي.
وهنا يصبح الخطاب عن “تحول العقليات والمسلكيات” ناقصًا، لأنه يتجاهل أن العقليات تُشكّلها السياسات لا العكس.
خلاصة
ليس الإشكال في أن يقول الرئيس ما قاله؛
الإشكال في أن الواقع المعيش يكذّب الخطاب.
وما لم تُقابل الدعوة إلى ترسيخ المواطنة بـ:
مراجعة جدية لسياسات التعيين،
كسر احتكار النفوذ الاقتصادي،
وضمان حياد الدولة تجاه الجميع،
فسيبقى الحديث عن المواطنة أقرب إلى خطاب أخلاقي جميل، لكنه غير قادر على الصمود أمام الوقائع.
