مالي… عندما يفتح الإمام ديكو جبهة جديدة.             لنصاري حسين – صحفي مختص في الشؤون الأمنية بمنطقة الساحل

author
0 minutes, 4 seconds Read

أخباراليوم.    في  عمق الأزمة المالية المتشابكة، شهدت الساحة المالية الإعلان عن تشكيل “تحالف قوى الجمهورية” (CFR) في الخامس من ديسمبر الجاري، بقيادة شخصيتين بارزتين: الإمام محمود ديكو، الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الأعلى في مالي، والأكاديمي إتيان فاكابا سيسوكو الذي سبق وأن سجن في باماكو من قبل الحكومة الانتقالية الحالية، قبل مغادرته للبلاد.

 

يأتي هذا التحالف في لحظة حرجة، حيث تتداخل الملفات السياسية والأمنية والجيوسياسية في البلاد بشكل غير مسبوق، وسط حكم عسكري وتدهور أمني كارثي تتصاعد فيه هجمات الجماعات المسلحة، لا سيما تلك المرتبطة بتنظيم القاعدة “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التي تشدد الحصار على بعض الطرق المؤدية للعاصمة باماكو منذ شهرين.

 

أهداف التحالف الجريئة…

يضع التحالف نفسه كحركة مقاومة “غير عنيفة وسرية” ضد الحكم العسكري، معتبرًا ذلك واجبًا وطنيًا في مواجهة ما يصفه بـ”تخلي الدولة عن مواطنيها”، وتتركز أهدافه على العودة إلى النظام الدستوري، وحماية المدنيين، واستعادة الحريات الأساسية، ولكن الهدف الأكثر جرأة هو الدعوة إلى استعادة الوضع الدستوري و إعداد حوار وطني شامل يشمل قادة الجماعات المسلحة المالية، مثل إياد أغ غالي وأحمدو كوفا، وجبهة تحرير أزواد الانفصالية مع التأكيد على وحدة مالي كخط أحمر. ويمثل هذا الموقف نقلة نوعية في خطاب المعارضة، ويعترف ضمناً باستحالة تحقيق السلام عبر الحلول الأمنية البحتة.

 

قيادة متجددة وأرضية شعبية مهتزة: تحدي الغياب والذاكرة

تقود الحركة شخصية الإمام ديكو، وهي رمزية تحمل تناقضاتها، فمن ناحية، يتمتع ديكو بتاريخ نضالي ومكانة دينية واجتماعية مكنته من قيادة احتجاجات شعبية سابقة كانت سببا رئيسيا في الاطاحة بالرئيس السابق والراحل إبراهيم بوبكر كيتا، ومن ناحية أخرى، تأثيره الشعبي المباشر قد تقلص نسبياً في الفترة الأخيرة بسبب غيابه المتقطع عن الساحة المحلية وابتعاده عن الخط الأمامي للحراك اليومي.

 

هذا الواقع يفرض على التحالف الجديد ليس فقط استعادة الزخم، بل أيضًا إثبات قدرته على تمثيل تطلعات جديدة وجمع الماليين الذين عانوا من تبعات الأزمة دون أن يرتبطوا بالضرورة برموز الماضي.

 

المعادلة الجيوسياسية إقليميا ودوليا…

لا يمكن فصل ظهور هذا التحالف عن السياق الجيوسياسي المضطرب، مع الانسحاب الغربي (الفرنسي والأوروبي) والتأثير الروسي المتصاعد عبر مجموعات مثل الفيلق الإفريقي –الروسي “فاغنر” سابقا، يبحث الغرب عن شركاء محليين مقبولين. هنا، تبرز قيادة الإمام ديكو كعامل جذب؛ إذ يُنظر إليه كشخصية إسلامية ذات قاعدة شعبية واسعة وأقل راديكالية وأكثر قابليّة للحوار من قوى أخرى.

 

هذا يجعل تحالفه مرشحاً محتملاً لتلقي دعم دبلوماسي أو معنوي غربي، كبديل يمكن أن يحقق توازناً وتوافقا بين الهوية المحلية وضرورات الوضع السياسي، ما يجعله ربما قادراً على حشد إجماع أوسع.

 

ورغم الطموح الواضح للتحالف، فإن الطريق أمامه محفوف بتحديات جسيمة توازن فرص نجاحه.

 

أولاً، يواجه خطر الاحتواء أو القمع من قبل السلطة العسكرية الحاكمة التي لا تتردد في مواجهة معارضيها كأي سلطة في إفريقيا. ثانيًا، يقف تحدي تعقيد ملف الحوار مع الجماعات المسلحة المصنفة إرهابياً، والذي قد يفقد التحالف دعمًا داخليًا قبل كل شيء. ثالثًا وأخيراً، فإن أي دعم غربي محتمل، رغم كونه ميزة تكتيكية، قد يتحول إلى عبء يسلبه شرعيته الشعبية ويجعله عرضة لاتهامات بأنه “وكيل لأجندة خارجية”.

 

وعليه نجاح “تحالف قوى الجمهورية” لن يعتمد على شجاعة أهدافه فقط، بل على قدرته في التنقل بحذر بين ميادين السياسة المحلية وساحات النفوذ الجيوسياسي المتشابكة.

 

وتلعب العوامل الإقليمية والدولية دوراً محورياً في هذه المعادلة، وتبرز الجزائر كطرف فاعل فإضافة إلى دورها التاريخي كوسيط رئيسي في الأزمات بالمنطقة، تستضيف الجزائر الإمام ديكو بشكل فعلي كعضو في المجلس العلمي للجامع الأعظم في العاصمة الجزائرية.

 

هذه العلاقة المباشرة تمنح الجزائر قناة اتصال فريدة وقدرة على لعب دور وساطة بناء، ليس فقط بين التحالف والعسكر، بل ربما أيضاً في تمهيد الطريق للحوار الوطني الشامل الذي ينشده التحالف. ورغم الخلافات الجزائرية – المالية قد يكون الموقف الرسمي الجزائري الحذر حتى الآن والمتمسك بسيادة مالي واستقرارها، العامل الحاسم في تحويل هذا التحالف من كيان معارض إلى شريك في عملية سياسية شاملة.

 

وفي الختام…

المعادلة معقدة: ديكو الذي قاد احتجاجات أسقطت رئيساً، يعود اليوم بشرعية مهتزة بعد غياب طويل، تحالفه يحتاج دعما، ومن سيدعم ويعطي الشرعية لتحالف يولد في المنفى؟

 

الأهداف واضحة: استعادة الديمقراطية، ومفاوضة الجماعات المسلحة. لكن الأسئلة أكبر: هل يمكن ذلك في ظل الوضع الراهن؟ لاسيما وأن النجاح يعني إعادة تعريف السياسة في منطقة الساحل الأفريقي ككل

Similar Posts