اليورانيوم النيجري: منحة وطنية ومحنة دولية بقلم: عمر مختار الأنصاري – كاتب وسياسي نيجري

author
0 minutes, 14 seconds Read

المقدمة: ضوء باريس، ظلام أغاديس. في قلب صحراء آير الشمالية، تحت رمال النيجر، مخزون معدن يُضيء 70% من منازل فرنسا، لكنه لم يصل بعد إلى معظم قرى النيجر.

 

اليورانيوم – الذي أنتج أكثر من 150 ألف طن منذ 1971 – ليس مجرد عنصر كيميائي، بل رمز لعقود من الاستغلال الاستعماري، ثم فوضى ما بعد الانقلاب، والآن فرصة لاستعادة السيادة الحقيقية.

 

اليوم، يروج أنصار المجلس العسكري الحاكم في نيامي أن روسيا أكرمتنا حيث ظلمتنا فرنسا.

 

لكن الحقيقة أكثر تعقيداً: ظلم فرنسا لا يبرر ظلمنا لأنفسنا.

 

هذا التحليل يفكك القضية خطوة بخطوة، مستنداً إلى تقارير محايدة، ليوضح للمواطن النيجري – وللرأي العام العالمي – أن السيادة لا تُبنى بالشعارات، بل بالشفافية، والقانون، والوحدة الوطنية.

 

الجذور: استعمار اقتصادي تحت غطاء “الشراكة”

بدأت القصة في أواخر الخمسينيات، عندما اكتشفت فرق استكشاف تابعة للعمولة الذرية الفرنسية (CEA)  رواسب هائلة من اليورانيوم في منطقة أرليت. مع استقلال النيجر عام 1960، لم ينتهِ الارتباط الاستعماري؛ بل تحول إلى نموذج اقتصادي غير متكافئ. في 1971، أُنشئت شركة SOMAIR ( مناجم آير)، تلتها COMINAK عام 1978، وكلتاهما تحت سيطرة الشركة الفرنسية أورانو (أريفا سابقا، مملوكة بنسبة 90% للدولة الفرنسية).

 

أورانو تمتلك 63.4% من SOMAIR، بينما تمتلك الدولة النيجرية – عبر شركة SOPAMIN 36.6% فقط. لكن الأرقام الرسمية تخفي الحقيقة: منذ 1971 وحتى 2023، استحوذت أورانو على 86.3% من الإنتاج الفعلي، مستفيدة من شروط تعاقدية تسمح لها باحتجاز 50% من الإنتاج كـ”تعويضات” عن الاستثمارات، بالإضافة إلى إعفاءات ضريبية واسعة.

 

في عام 2023، صدرت النيجر يورانيوماً بقيمة 3.5 مليار يورو، لكن حصتها الصافية لم تتجاوز 459 مليون يورو – أي أقل من 13%. هذا النموذج جعل النيجر المنتج السابع عالمياً (حوالي 2020 طن سنوياً في 2022)، لكنها تبقى من أفقر دول العالم، حيث يعيش 40% من سكانها تحت خط الفقر المدقع، وفقاً لتقرير البنك الدولي 2024.

 

اليورانيوم يشكل 80% من الصادرات، لكنه لم يُترجم إلى طرق معبدة، مدارس، أو مستشفيات. هذا ليس فشلاً اقتصادياً فحسب، بل استعماراً اقتصادياً مستمراً.

 

الانقلاب والتأميم: خطوة شجاعة أم مقامرة مكلفة؟

جاء الانقلاب العسكري في 26 يوليو 2023 ليغير المعادلة. أطاح الجنرال عبد الرحمن تياني بالرئيس محمد بازوم، وأعلن طرد القوات الفرنسية، وإغلاق الحدود، ثم الانسحاب من مجموعة إيكواس. في ديسمبر 2024، سيطرت الحكومة العسكرية على عمليات SOMAIR، مما دفع أورانو إلى تعليق الإنتاج في أكتوبر 2024 بسبب “ظروف مالية صعبة”.

 

تراكم مخزون يصل إلى 1500 طن – قيمته حوالي 270 مليون دولار بسعر السوق العالمي (82 دولار / رطل في سبتمبر 2025). في يونيو 2025، أعلنت نيامي التأميم الكامل للمنجم، متهمة أورانو بـ”نهب الثروات” و”عرقلة الإنتاج”.

 

ردت أورانو برفع دعاوى تحكيم أمام مركز تسوية النزاعات الاستثمارية الدولية (ICSID)  في واشنطن، مطالبة بتعويضات تصل إلى مئات الملايين.

 

وفي 23 سبتمبر 2025، أصدرت المحكمة أمراً مؤقتاً يحظر على النيجر بيع أو نقل أو تسهيل نقل أي يورانيوم مستخرج قبل تعليق العمليات.

 

هنا يبدأ الخطر الحقيقي: عدم الامتثال لهذا الأمر يعني عقوبات نفرضها على أنفسنا. إذا باعت النيجر المخزون (مثلاً إلى روسيا)، يمكن لأورانو:

– مصادرة أرصدة النيجر في البنوك الأوروبية والأمريكية.

– تجميد المساعدات الدولية من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.

– ملاحقة أي مشترٍ ثالث جنائياً، مما يجعل اليورانيوم “ممنوعاً تجارياً”.

 

النتيجة؟ إفلاس محتمل لـSOMAIR، فقدان 600 وظيفة، وتفاقم الأزمة الإنسانية التي تعاني منها 2.6 مليون نيجري بحاجة إلى مساعدات غذائية.

 

الرواية شبه الرسمية: “روسيا أكرمتنا” – فحص للواقع

يروج أنصار المجلس العسكري أن صفقة بيع 1000 طن من اليورانيوم إلى شركة روزاتوم الروسية في نوفمبر 2025 بقيمة 170 مليون دولار (أي 170 دولار / طن) هي “انتصار للسيادة”؛ لكن هذه الرواية تتجاهل الفرق الجوهري بين الشريكين:

– أورانو (فرنسا) كانت تنتج وتُشغّل المنجم: تحمل تكاليف الحفر، المعالجة، الأمان، والبنية التحتية على مدى 50 عاماً؛ نعم، استغلتنا، لكنها كانت شريكاً في الإنتاج.

– روزاتوم (روسيا) تشتري مخزوناً جاهزاً فقط: لا تتحمل أي تكاليف إنتاج، ولا تستثمر في المنجم. الـ170 مليون دولار هي لمخزون تراكم بفضل عمل أورانو سابقاً، وليس استثماراً جديداً.

 

علاوة على ذلك، السعر العالمي لليورانيوم في 2025 يصل إلى 183,000 دولار / طن – أي أن روسيا اشترت بأقل من 0.1% من القيمة السوقية! نعم، هذا أفضل من الصافي الفرنسي التاريخي (430 دولار / طن بعد الخصومات)، لكنه ليس كرماً، بل استغلال للأزمة.

 

خطة النقل عبر 30 شاحنة برية من أرليت إلى ميناء لومي في توغو تمر بمناطق تسيطر عليها جماعات إرهابية تابعة للقاعدة وداعش – مما يعرض المادة للسرقة أو الحوادث.

 

الخلاصة: روسيا لم تأتِ لتنقذنا، بل لتملأ الفراغ الذي خلّفه طرد فرنسا.

 

هذا ليس تحالفاً استراتيجياً، بل تبديل للاستغلال.

 

الحلول: من الشعارات إلى الإصلاحات

السيادة ليست في ترديد الشعارات ورفع العلم فوق المنجم، بل في العمل الجاد على إضاءة القرى النيجرية المظلمة بهذه المادة المضيئة.

 

إليكم خارطة طريق واضحة:

– عودة فورية للحكم المدني: انتخابات حرة وشفافة خلال ستة أشهر، تحت إشراف الاتحاد الإفريقي؛ لأن الحكم العسكري لا يحمي الثروة، بل يعزلنا.

 

– لجنة وطنية مستقلة للثروات: تضم نواباً منتخبين، ممثلي المجتمع المدني، وخبراء أفارقة. مهمتها نشر كل عقد استغلال عبر الإنترنت لحظياً – السعر، الكمية، الوجهة، المستفيدين.

 

– صندوق سيادي مُقفل: يُودَع فيه 100% من عائدات اليورانيوم والذهب في حساب محجوز لدى البنك المركزي لدول غرب إفريقيا (BCEAO).  يُفرَج عن الأموال فقط للتعليم، الصحة، الكهرباء، والطرق – ويُحظر استخدامها في السلاح أو الفيلات الفاخرة.

 

– مكافحة الفساد الداخلي بلا هوادة: إنشاء محكمة خاصة بقضاة أفارقة، مع تفويض من الإنتربول لتجميد أرصدة أي مسؤول – عسكري أو مدني – يختلس ولو سنتيماً واحداً؛ لأن الفساد الداخلي أخطر من الاستعمار الخارجي؛ وكيف لا والمواطن الفاسد هو الآلة التي يستخدمها العدو الخارجي.

 

– وحدة وطنية ضد المؤامرات: حملة شعبية عابرة للقبائل والأحزاب تحت شعار: “لا للانقلابيين، لا للأجانب – اليورانيوم للنيجريين”؛ يجب أن نرفض أي محاولة لاستخدام الثروة كورقة في لعبة جيوسياسية، سواء من روسيا أو الصين أو الغرب.

 

الخاتمة: اليورانيوم ليس غنيمة حرب، بل رأس مال أجيالنا

شعب النيجر،

لقد آن الأوان أن نخرج من دائرة الضحية. فرنسا ظلمتنا لعقود، لكن هذا لا يبرر أن نُعاقب أنفسنا بالعزلة الدولية أو بيع ثروتنا بثمن بخس. روسيا لم تأتِ بحل، بل بصفقة مؤقتة. والمجلس العسكري ليس بطلاً، بل جزء من المشكلة. السيادة الحقيقية تبدأ بالقانون، الشفافية، والوحدة. دعونا نلتزم بأمر ICSID، نفاوض أورانو على تسوية عادلة، ونبني دولة مدنية تُدار بالكفاءة لا بالسلاح؛ وبعد ذلك نعمل تنوع الشركاء على مبدأ رابح – رابح.

 

اليورانيوم والثروات الوطنية ليست ملكا للحاكم ولا الشركات الأجنبية، بل ملكا للشعب النيجر

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *