وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا / محمد محفوظ المختار

author
0 minutes, 0 seconds Read

أخبار اليوم.  نعلم أن الفساد في هذه الأرض تفاقمت حدته على مدى عقود، بفعل عوامل ليس المقام مقام حصر أو تتبع لها، لكننا مع ذلك ندرك أن من أسباب استشراء الفساد في هذه الأرض هو الرعاية شبه الرسمية للفساد، والتي كانت تتم عبر تغاض ممنهج عن عمليات فساد مكشوفة، من المنطقي أن لا يتم التغاضي عنها، أو لا تتم محاسبة مرتكبيها أو المشتركين فيها مهما كانت ضآلة تلك المشاركة.
ونعلم أيضا أن المفسدين كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعا حين استمرؤا هذا الفعل، وسخروا كل أوقاتهم وجهودهم في سبيل العصف بثروات هذا الشعب عن سبق إصرار وترصد، وذلك من خلال طرق إدارية التفافية، أو عبر صفقات لا يمكن أن تكون شفافة بأي حال من الأحوال، لأن المعايير التي منحت على أساسها هي في الأصل معايير لا تصلح لأن تكون منطلقا للشفافية ولا مرتكزا لها.
يتخيلون أنهم يحسنون صنعا حسن اصطفوا من أنفسهم ومن ذويهم من تم توظيفه في وظائف يعرفون حق المعرفة أنها ليست من حقهم، وأن من تبوأها ليس أهلا لها، لافتقاده للمكانة العلمية والقابلية المهنية التي تمكنه من الاندماج في بيئة عمل تم وضعه فيها على حين غرة.
يتوهم المفسدون أنهم يحسنون فهما حين يعتقدون أنه لن يأتي ذلك اليوم الذي لن ينظر إليهم فيه الشعب الموريتاني بمنظور أخلاقي أو يراعي مكانتهم السياسية أو الاجتماعية أو وضعهم الاقتصادي، بل سيحاسبهم على ما حاق بالمال العام بسببهم، حيث لن يرعى فيهم إلا ولا ذمة.
يظنون أنهم يحسنون صنعا حين وجدوا الاحتفاء والاحتفال بهم عند ظهيرهم الاجتماعي الذي لم ينه عن منكر الفساد في الأرض عبر الاستيلاء على المال العام بطرق يدرك المجتمع نفسه أنها غير شرعية وغير قانونية، ومع ذلك يتمادى في منح أولئك المفسدين مأوى وظهيرا قويا، يوفر لهم من الحصانة ما يجعل مجرد النظر إليهم بعين الريبة ضربا من التطاول على “صفوة المجتمع”.
كل ذلك يخفي عن المفسدين حقيقة مصيرهم الذي ينتظرهم خلف القضبان أو في دهاليز النسيان، حين يدفعون ثمن فسادهم وثرائهم غير المشروع، واستغلالهم للمناصب وللنفوذ، وذلك نتيجة لوجود إرادة عليا تريد أن تواجه الفساد بمختلف صوره ومظاهره وإرهاصاته، قبل أن يفجر المجتمع من الداخل.
فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني اتخذ القرار الحاسم والحازم بمحاربة الفساد، وذلك حين أراد أن يستبدل أسلوب التغاضي الذي انتهجه أسلافه في الحكم بنهج الرقابة، ومبدأ التجاهل بمبدأ المحاسبة، لإدراكه العميق أن الفساد إن استمر فسيكون مهددا قويا لاستقرار البلد، كما سيقوض مؤسساته، ولا شك سيؤثر على القيم الديمقراطية، ويحد بل يوقف وتيرة التنمية في البلد، ولذلك فقد جاء التعهد من طرف فخامة الرئيس صريحا واضحا بمحاربة الفساد، مبرزا أن الدولة ستمضي قدما على طريق تجسيد هذا التعهد، ولن تتوقف عن السير على هذا النهج، وذلك لأنها أدركت مدى تعارض استشراء الفساد مع التنمية بمختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والتنموية والثقافية والاجتماعية وحتى البيئية.
التغاضي الذي كان المفسدون موضعا له في ماضي الزمن جعلهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، لكن حاضر الأيام وقادمها سيبرز أن سعيهم قد خاب ومستقبلهم إلى تبار.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *