أخباراليوم.     تعدّ محكمة الحسابات في موريتانيا الهيئة الدستورية العليا المكلفة بالرقابة على الأموال العمومية، وتتمتع باستقلالية مضمونة بموجب الدستور والقوانين، بهدف ضمان الشفافية في تسيير المال العام، ومساءلة القائمين عليه، وتقديم التوصيات الكفيلة بتحسين أساليب الإدارة المالية للدولة، وتتمثل أهدافها، كما ورد في المادة الخامسة من القانون النظامي المنظم لها، في:

 • حماية الأموال العمومية؛

 • تحسين طرق التسيير وتقنياته؛

 • عقلنة العمل الإداري؛

 • تقييم السياسات العمومية.

ومنذ إنشائها بموجب المادة 68 من الدستور الموريتاني 1991 المراجع :2006، 2012، 2017 ، والقانون رقم 93-019 الصادر بتاريخ 26 يناير 1993، والذي تم إلغاؤه لاحقًا بموجب القانون النظامي 32-2018 بتاريخ 20 يوليو 2018، ظلّت محكمة الحسابات تؤدي دورًا أساسيًا في الرقابة اللاحقة على التسيير المالي، غير أن أداؤها ظلّ يتأرجح بين الطابع التشخيصي والتوصيفي، دون أن يرقى إلى المستوى القضائي المطلوب لتحقيق الأهداف المنصوص عليها أعلاه.

وتعكس الإجراءات المعلن عنها من طرف النظام في قضية تقرير محكمة الحسابات، وعي فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بأهمية محاربة الفساد ، وحرصه على تجسيد ذلك على أرض الواقع، بعد أن تركت طويلا للنسيان مما تسبب في حالة اليأس والإحباط التي صارت طابعا للمزاج العام..

ولا شك أن تقرير محكمة الحسابات لسنتي 2022 – 2023 يُعدّ من أجود وأجرأ التقارير التي أصدرتها منذ تأسيسها قبل أكثر من ثلاثة عقود، سواء من حيث وضوح المعطيات، أو قوة الطرح. لكنه لا يرقى من حيث المنهج، والمخرجات إلى ما هو معتمد لدى بعض الأجهزة العليا للرقابة المالية في المنطقة.

ففي المغرب، -وعلى سبيل المقارنة-، يصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريره السنوي بانتظام، متناولًا نتائج الرقابة عن السنة نفسها، ومبيّنًا بوضوح:

 • حجم المبالغ المستردة والمبددة؛

 • عدد الأحكام الصادرة عن المجالس الجهوية في مجال معاقبة أخطاء التسيير؛

 • نسبة تنفيذ التوصيات السابقة؛

 • عدد السياسات العمومية التي تم تقييمها؛

 • الاستشارات المقدمة؛

 • الملفات المحالة إلى القضاء.

أما محكمتنا المحترمة، فما تزال — للأسف — أسيرة منهجية تقليدية تكتفي بالتشخيص والملاحظات العامة على تسيير عدد محدود من الهيئات لايتجاوز نسبة 10٪؜، دون أن تُصدر منذ إنشائها أي أحكام قضائية في مجالي البتّ في حسابات المحاسبين العموميين ومعاقبة أخطاء التسيير، بل إن تقريرها الأخير لم يتضمن أي إشارة إلى المبالغ المسترجعة، أو القضايا التي يجب أن تُحال إلى العدالة، كما خلا من أي تقييم للسياسات العمومية، أو متابعة لتنفيذ التوصيات السابقة.

فمحكمة الحسابات في صيغتها الحالية تشبه مرآة تكشف مكامن الخلل، دون أن تمتلك الآليات اللازمة لإصلاحه، وتُخبرنا بأن المال العام يُهدر، لكنها تكتفي بإصدار توصيات بلا خطة متابعة أو آلية تنفيذية.

لقد آن الأوان لتعزيز دور المحكمة وجعل عملها موضوعيًا، دقيقًا، فنيًا، وشاملًا لأكبر عدد من المؤسسات والهيئات، من خلال:

 1. تحديث الإطار القانوني لمحكمة الحسابات، بما يضمن استقلاليتها، ويمنحها سلطة إلزام المؤسسات العمومية بتنفيذ توصياتها، وزيادة مقدار العقوبات المالية التي تفرضها؛

 2. تفعيل الاختصاصات القضائية، عبر مباشرة المساطر المتعلقة بمعاقبة أخطاء التسيير، والبتّ في حسابات المحاسبين العموميين؛

 3. إرساء آلية إلزامية لمتابعة تنفيذ التوصيات، بالتنسيق مع وزارة المالية والبرلمان؛

 4. توسيع نطاق الرقابة ليشمل المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، والجماعات المحلية “البلديات والمجالس الجهوية”؛

 5. تعزيز الشفافية في النشر، بإصدار تقارير سنوية منتظمة في آجال محددة؛

 6. تطوير القدرات البشرية، و التكوين المستمر، والانفتاح على تجارب الأجهزة العليا للرقابة في المنطقة والعالم؛

 7. دعم التنسيق بين محكمة الحسابات وبقية الأجهزة الرقابية، كالمفتشية العامة للدولة، والمفتشية العامة للمالية، والسلطة العليا لمكافحة الفساد، بهدف تجسيد شعار محاربة الفساد على أرض الواقع.

د. الشيخ سيد المختار ابوه، أستاذ جامعي، وعضو المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية للمحامين