وجهة نظر حول العلاقات المدنية-العسكرية في أفق الحوار المرتقب

author
0 minutes, 1 second Read

أخبار اليوم.   في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو إطلاق حوار وطني واسع حول منظومة الحكم وأسس التوازن المؤسسي في موريتانيا، يطرح مركز أودغست للدراسات الإقليمية ورقة استراتيجية جديدة بعنوان: “السياسة الدفاعية في موريتانيا: تأملات في الشراكة المدنية-العسكرية”، يقدم فيها رؤية تحليلية للعلاقات بين المدنيين والمؤسسة العسكرية من زاوية علمية وواقعية تراعي الخصوصية الموريتانية وتستحضر التحديات البنيوية والتحولات الإقليمية المتسارعة.
تنطلق الورقة من سؤال مركزي يتجاوز الطابع الإجرائي إلى لب الإشكال المؤسسي: هل آن الأوان لتوسيع قاعدة التفكير الوطني في الشأن الدفاعي؟ وهل يمكن لموريتانيا، في سياق الانتقال المؤسسي الذي تلوح به التحولات الجيوسياسية والنداءات الإصلاحية، أن تقوم ببلورة مقاربة سيادية-مدنية جديدة تخرج القرار الدفاعي من دائرته المغلقة وتعيد إدماجه ضمن فضاء التشارك المؤسسي الرشيد؟
ليس المقصود هنا اختزال الدفاع في مسألة مشاركة رمزية للمدنيين، وإنما إعادة هندسة العلاقة بين الفضاءين المدني والعسكري، على أساس تعاقد جمهوري واضح يكرس احترافية المؤسسة العسكرية ويخضع قراراتها الكبرى لمتطلبات الشرعية والمساءلة والتوجيه السياسي المنضبط؛ ذلك أن الدفاع، كما تؤكد الورقة، لم يعد شأنا تقنيا صرفا بل أصبح مجالا مركبا يتداخل فيه الأمن الصلب مع الأمن الرمزي وتتقاطع فيه الجغرافيا مع الفضاء الرقمي، وتتطلب مواجهته حوكمة متعددة الأبعاد لا تنجح إلا بتوسيع دائرة الفهم والمشاركة.
تتوزع الورقة على أربعة محاور رئيسية، تعالج موضوع العلاقات المدنية-العسكرية من زوايا متعددة: يبدأ المحور الأول بتأصيل نظري للعلاقة بين المدنيين والعسكريين، مستعرضا كيف تناول الفكر السياسي هذا التوازن، ولماذا يعتبر إشراف المدنيين على القرار الدفاعي أحد مقاييس الديمقراطية واحتراف الجيوش؛ كما يناقش هذا المحور مبدأ “الرقابة دون الإخلال بالفعالية”، ويبين أن المهنية العسكرية تزداد قوة حين تخضع لشرعية واضحة. أما المحور الثاني فيرصد واقع السياسة الدفاعية في موريتانيا ويظهر كيف أن هذا المجال ما يزال مغلقا على المدنيين، سواء في مستوى التخطيط أو التقييم أو الرقابة. ويبين أن غياب سياسة دفاعية منشورة وعدم إشراك البرلمان أو مراكز الفكر، يكرس القطيعة بين المدني والعسكري ويضعف شرعية القرار.
ينتقل المحور الثالث إلى التجارب المقارنة في دول مثل السنغال وتونس، حيث نجحت هذه الدول في الحفاظ على جيش محترف، مع إشراك تدريجي للمدنيين في صنع السياسات الدفاعية. ويقترح هذا المحور دروسا عملية مثل تفعيل اللجنة البرلمانية المعنية وتطوير خبرات مدنية وطنية في مجال الأمن والدفاع. أما المحور الرابع فيقدم تصورا موريتانيا متدرجا لبناء شراكة متوازنة بين المدنيين والمؤسسة العسكرية. يبدأ هذا التصور بتوسيع دائرة النقاش العمومي ويمر عبر إصلاحات مؤسسية وصولا إلى بناء ثلاث دوائر: دائرة القرار السيادي، دائرة التخطيط والتحليل، دائرة الرقابة والتقويم؛ بما يضمن التوازن من دون الإخلال بالوظائف السيادية.
ومن هذا المنطلق، تنبه الورقة إلى أن ترسيخ الدولة القانونية في موريتانيا يمر عبر ضبط العلاقة المدنية-العسكرية ضمن تعاقد جمهوري يكرس احترافية المؤسسة العسكرية ويخضع خياراتها الكبرى لرقابة مدنية مؤسسة؛ وتظهر أن قوة الجيوش لا تقاس بحجم ما تثيره من غموض حولها، بل بعمق الشرعية، وأن مقتضيات الأمن المعاصر تجاوزت الطابع التقليدي، لتفرض مقاربة شاملة تدمج بين البعد العملياتي والبعد الرمزي ومجالات الفضاء الرقمي ضمن هندسة مؤسسية منسقة تستجيب لتعقد التهديدات وتداخلها. ومن خلال المسار المتدرج الذي تقترحه، تضع الورقة معالم إصلاح مؤسسي يعيد تموضع أدوات السيادة في حضن المشروعية الشعبية، ويعزز قدرة الدولة على مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية بثقة وفعالية.
مركز أودغست للدراسات الإقليمية

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *