أخباراليوم. : الدبلوماسي المحنك الأستاذ السالك ولد اباه يكتب : “دليل الحالمين في الأرياف… حين يعود المسؤولون إلى دفء الذاكرة*”
في مجتمعات تقليدية تضع الامتثال فوق الإبداع، وتفضل السلامة على المخاطرة، تصبح العقلانية الزائدة عبئًا ثقيلًا، بل تُعد خروجًا على المألوف. يكفي أن تمتلك نمطًا حياتيًا لا يشبه جيرانك، أو رأيًا غير محكوم بـ”ما هكذا عهدنا الآباء الكرام”، لتُصنّف في خانة الخارجين عن النص، أو على الأقل، أولئك الذين “يُفكرون أكثر من اللازم”.
وإذا زادت الجرأة، وتحدثت بصوت مسموع عن أفكار جديدة أو مواقف لا تسير مع التيار، فاعلم أن لقب “متمرد” أو “زنديق” أو “فوقي” سيُمنح لك عن طيب خاطر، وإن كنت مجرد مواطن ساذج يؤمن أن للناس عقولًا وأن الدولة يمكن أن تتحسن.
أما التفكير النقدي، فهو ترف لا يحتمله المحيط، لا سيما إن صدر ممن لا يحمل ختم الجماعة أو بركة “الكبير”. فلا مكان في هذا النسق للذين يرفضون أن يكونوا نسخًا باهتة من غيرهم. فالمجتمع، بكل طيبته، قد يُسامحك على الفقر أو الجهل، لكنه لن يغفر لك أن تكون مختلفًا.
وفي هذا السياق، ومع عودة كبار المسؤولين ورجال الأعمال لقضاء عطلهم في الأرياف، يُسجَّل للسلطة هذه اللفتة الرمزية ذات الأثر الاجتماعي. هؤلاء ليسوا ضيوفًا على تلك الربوع، بل هم أبناء بيئة احتضنت طفولتهم، ورافقت نشأتهم، وإن كانت العولمة وتقلبات الحياة قد فرضت إيقاعًا مختلفًا.
وعليه، فإن وجودهم بين أهاليهم يُعد فرصة حقيقية لكسر الجمود، وردم الهوة بين النخبة والقاعدة، عبر الإصغاء إلى هموم الناس، والرد على استفساراتهم، والمساهمة في التوعية والتقريب بين المواطن ومركز القرار. فتلك اللحظات الإنسانية العفوية هي التي تُعزز هيبة الدولة لا عبر البروتوكول، بل من خلال القرب الاجتماعي، والتواضع الإداري، والتواصل الفعّال.
نرحب بهذه العودة المؤقتة، ونأمل أن تتجاوز كونها استراحة موسمية، إلى كونها جسرًا دائمًا يعيد ربط المسؤول بالمكان الذي بدأ منه، ويمنحه شرعية تستمد من الشعور لا من سلطة التوقيع