أخبار اليوم. سجل قطاع الصيد والبنى التحتية البحرية والمينائية أداء استثنائيا في مطلع العام الجاري 2025، محققا بذلك قفزات نوعية في مؤشرات الصادرات والعائدات.
إن هذه النتائج الباهرة هي شهادة حية على نجاعة الرؤية الاستراتيجية لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وثمرة جهود دؤوبة انطلقت منذ عام 2019 لوضع أسس متينة لإدارة مستدامة، وتطوير بنية تحتية حديثة، وتعزيز حوكمة شفافة، مما يمهّد الطريق اليوم لتنفيذ حزمة من المشاريع العملاقة التي تهدف إلى تحويل موريتانيا إلى قطب محوري في الاقتصاد الأزرق على المستويين الإقليمي والدولي.
* أداء استثنائي يترجم الرؤية إلى أرقام *
وأكد معالي وزير الصيد والبنى التحتية البحرية والمينائية السيد الفضيل سيداتي احمد لولي، في لقاء مع الوكالة الموريتانية للأنباء، أن الأداء الاقتصادي للقطاع خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2025 يعكس تحوّلًا إيجابيًا ملموسًا، حيث تظهر الأرقام أن القطاع يشهد ديناميكية إيجابية وتحسنًا ملحوظًا على مستويات متعددة، سواء من حيث الإنتاج، أو المردودية الاقتصادية، أو الحكامة والتسيير.
وأوضح أن هذه الديناميكية تتجسد في نمو قيمة الصادرات بنسبة 13%، حيث بلغت 19.1 مليار أوقية جديدة، مما يعكس زيادة القيمة المضافة للمنتجات الموريتانية في الأسواق العالمية، وكذلك في زيادة حجم الصادرات بنسبة 14%، بإجمالي 333 ألف طن مقارنة بـ 291 ألف طن في العام السابق، وهو مؤشر على زيادة القدرة الإنتاجية للأسطول الوطني.
كما تتجسد هذه الديناميكية-بحسب معالي وزير الصيد والبنى التحتية البحرية والمينائية، في ارتفاع لافت في عائدات الدولة، حيث نمت الضرائب والرسوم المحصلة من قبل الجمارك بنسبة 18%، وزادت المداخيل التي حصلت عليها الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك (SMCP) بنسبة 16%، مما يؤكد المساهمة المتنامية للقطاع في الميزانية العامة.
*حصاد سنوات من التخطيط: بناء استراتيجي متكامل (2019 – 2024)*
وقال معالي الوزير إن هذه النجاحات ترتكز على أساس متين من الإصلاحات الهيكلية والمشاريع التنموية التي تم تنفيذها خلال الفترة الماضية، والتي شملت كافة جوانب القطاع، مشيرا إلى أنه تم إقرار «استراتيجية الاستصلاح والتنمية المستدامة والمندمجة للصيد البحري للفترة 2020–2024» كنواة للإصلاح، قبل توسيعها عبر «إعلان سياسة وتخطيط الصيد والاقتصاد البحري للفترة 2022–2024» لتشمل الشؤون البحرية والصيد القاري. كما تم على المستوى الدولي تأمين مصالح البلاد عبر تجديد بروتوكولات اتفاقيات الصيد الحيوية مع الاتحاد الأوروبي (2021–2026) وغيره من الشركاء.
وأضاف أنه بُذلت جهود جبارة لإنشاء بنية تحتية قادرة على توطين الثروة وتثمينها، مبرزا في هذا الإطار استكمال بناء ميناء أنجاغو متعدد الوظائف، الذي يجري حاليًا تأهيله بالماء والكهرباء، وبناء مجمع تبريد، وطرق ربط ليصبح قطبًا تنمويًا في المنطقة الجنوبية، وكذلك تم تفعيل ميناء تانيت.
وأكد معالي الوزير أنه في مجال الرقابة، تم تعزيز القدرات العلمية والرقابية بشكل كبير عبر دعم المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد، ودعم خفر السواحل الموريتانية من خلال بناء مقر جديد له في نواذيبو، وتزويده بمعدات حديثة تشمل زوارق سريعة، وطائرات بدون طيار، ورادارات مراقبة.
وفي إطار التوجه الاستراتيجي لبناء أسطول وطني، أوضح معالي وزير الصيد والبنى التحتية البحرية والمينائية، أن الشركة الموريتانية لصناعة السفن حققت إنجازًا ببناء 143 سفينة منذ أغسطس 2019، مع اقتناء تجهيزات جديدة لمضاعفة قدرتها الإنتاجية.
وبين أن الإصلاحات الهيكلية شملت تثمين المنتجات وخلق القيمة المضافة حيث تم توجيه الاستثمارات نحو الصناعات التحويلية الحديثة. وشهدت هذه الفترة إنشاء مصنعين للتعليب (في المرحلة النهائية) و37 مصنعًا للتجميد، مقابل تراجع عدد مصانع دقيق السمك إلى 13 مصنعًا عام 2022، في توجه واضح نحو الاستهلاك البشري.
ولتعزيز الأمن الغذائي، قال معالي الوزير إن الشركة الوطنية لتوزيع الأسماك واصلت دورها الحيوي، حيث تغطي شبكتها 373 نقطة توزيع في نواكشوط والداخل، وتعمل حاليًا على زيادة قدراتها التخزينية عبر بناء غرفة تبريد بسعة 1000طن في نواذيبو، كما تم الشروع في بناء مراكز لزراعة الأسماك في النعمة، وكنكوصة، ومال، وذلك لأهميتها الاستراتيجية في تثبيت السكان ومكافحة الفقر، وكذا المصادقة على إنشاء وكالة متخصصة لتنمية الصيد واستزراع الأسماك في المياه القارية.
وترسيخًا لمبدأ الشفافية، أكد معالي الوزير، أنه تم نشر التقارير السنوية لإحصائيات الصيد للأعوام 2019، 2020، و2021، بالإضافة إلى تقارير مبادرة الشفافية لسنوات 2018، 2019–2020، و2021.
* خطة عمل 2025: رؤية طموحة لمستقبل الاقتصاد الأزرق *
وقال معالي وزير الصيد والبنى التحتية البحرية والمينائية إنه، بناءً على هذه المكتسبات، تنطلق خطة عمل 2025 لتسريع وتيرة النمو عبر مشاريع استراتيجية كبرى.
وذكر من بين هذه المشاريع تطوير البنى التحتية المينائية، حيث سيتم إطلاق مخطط توجيهي استراتيجي لتطوير الموانئ، فعلى مستوى ميناء نواكشوط المستقل سيتم تنفيذ مشروع طموح لتعزيز تنافسيته عبر تشييد ميناء جاف، وإنشاء منطقة اقتصادية خاصة، ومحطات متخصصة للغاز والمعادن، فيما يتم على مستوى ميناء نواذيبو المستقل استكمال إعادة تأهيل الرصيف التجاري، والمضي قدمًا في بناء رصيف جديد في المياه العميقة.
وبين أن مشروع ميناء المياه العميقة في نواذيبو يُعتبر ركيزة استراتيجية لدعم قطاعات الصيد والتعدين والمحروقات ومشاريع الهيدروجين الأخضر الواعدة، منبها إلى أنه من المقرر خلال عام 2025 إنهاء التعاقد مع الشريك الخاص وإطلاق التنفيذ الفعلي للمشروع.
ولفت إلى أن من بين مشاريع تطوير البنى التحتية المينائية، إنجاز الدراسات الفنية لمشروع تهيئة نقاط التفريغ، بدءًا بنقطة الكيلومتر 93 جنوب نواكشوط، لتحسين ظروف عمل الصيد التقليدي، وتطوير سلاسل القيمة وتعزيز الأمن الغذائي حيث سيتم إطلاق خطة لتقليل نسبة استغلال أسماك السطح الصغرى في إنتاج دقيق السمك وتوجيهها بشكل متزايد للاستهلاك البشري. كما سيتم استكمال تشكيل المخزون الاستراتيجي للأسماك وتوسيع شبكة توزيع الشركة الوطنية لتشمل إنتاج الصيد القاري، وكذلك تطوير الشؤون البحرية والكوادر البشرية عبر استكمال مشروع ترقيم زوارق الصيد التقليدية والشاطئية لتنظيم القطاع، والمضي في إنشاء صندوق للتضامن الاجتماعي لحماية العمالة البحرية. كما سيمكن المسح الشامل للعمالة في القطاع، كالذي تم اطلاقه، من تحديد الاتجاهات الرئيسية لسوق العمل وتقييم الحاجة في مجال التكوين الفني والمهني لخلق كادر بشري مؤهل.
وتعزيزا للحوكمة والشفافية، قال معالي الوزير، إنه سيتم إعداد استراتيجية قطاعية جديدة، واستكمال تقييم اتفاقيات الصيد مع الشركاء الخارجيين، وتفعيل آليات التفتيش الداخلي، مع تعزيز التشاور المستمر مع كافة الفاعلين في القطاع لضمان اتخاذ قرارات توافقية ومستنيرة.
وختم معالي وزير الصيد والبنى التحتية البحرية والمينائية حديثه بالقول إن هذه الحزمة المتكاملة من الإنجازات والخطط المستقبلية الطموحة تؤكد أن موريتانيا ماضية بثبات نحو تحقيق الاستفادة القصوى من ثرواتها البحرية، ليس فقط كرافد اقتصادي، بل كمحرك للتنمية المستدامة والأمن الغذائي والعدالة الاجتماعية.
إعداد/ محمد ولد عبد الحي