فرص التنمية الضائعة في مدن الداخل الموريتاني: مدينة قرو نموذجا.  يحي ولد اكاي – yahyakay19@gmail.com

author
0 minutes, 1 second Read

أخبار اليوم.   تعتبر مقاطعة قرو من مقاطعات موريتانيا المهمة لعدة اعتبارات منها الجغرافي، والسكاني والاقتصادي. فهي وسط بين عدة مدن من عدة ولايات، وذات كثافة سكانية معتبرة، ومؤهلات اقتصادية بارزة. وهذا يجعل تنميتها، والاستثمار في مقوماتها، ومواردها الاقتصادية أمر مفيد محليا، ووطنيا. إن موقع هذه المقاطعة المتوسط بين ولايات تكانت، والبراكنة، والحوض الغربي يجعل المنتوجات المستخرجة منها قابلة للتسويق بسهولة، والنقل إلى كثير من مدن الوطن. ومن جهة ثانية يمكن لسكان كثير من تلك المدن والقرى القدوم إليها بيسر إذا كانت بها فرص عمل أو تعلُم. ومن هنا فإنني أودُّ أن أنبّه إلى بعض الفرص التنموية الكامنة في هذه المقاطعة التي سيكون استغلالها مفيدا لسكانها، ولمن يقطن في نواحي امتداداتها الجغرافية المتعددة. وتشمل هذه الفرص المجالات المعرفية العلمية، والاقتصادية، والسياحية.

 

ولعل من أول فرص التنمية التي يوجد لها أساس معتبر في مقاطعة قرو، فرص التنمية البشرية المعرفية. ذلك أن مجتمع هذه المدينة أنتج، قديما، وما زال ينتج إلى اليوم شخصيات علمية ذات صيت كبير، وطني، وعربي، وإسلامي، كان لها أثر طيب على سمعة الشناقطة قديما، وعلى المجتمع الموريتاني حديثا. وهؤلاء مثل المختار ولد بونا، وأبناء مياب، والعلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم وحديثا العلامة الشيخ محمد يحي ولد الشيخ الحسين، والعالم، والمصلح الاجتماعي الكبير الشيخ الناج ولد محمود، والعالم والمعلم الورع الفقيه الشيخ الحاج ولد فحفو، وإن كان استوطن تكانت، لكن جمهور طلابه وشيعته ومحبيه من أبناء قرو.. وغيرهم كثير، ويوجد اليوم، في وقتنا الراهن، كثير من أبناء المدينة الذين هم دكاترة، وأساتذة في مختلف المعارف الدينية والدنيوية، العاملين داخل الوطن وخارجه. وكذا محاظر مشهورة تعلم أبناء المقاطعة وغيرهم عدة علوم شرعية ولغوية فضلا عن علوم القرآن الكريم، مثل محظرة أهل ديد العريقة التي يرتبط اسمها بمدينة قرو، ومحظرة أهل آدو، ومحظرة الشيخ الأستاذ محد ولد ابابه… وغيرها. وهذا ما يجعل بناء مؤسسة، أو مؤسسات علمية بهذه المدينة تحفظ هذا الإرث المعرفي للسلف، وتحتضن، وتنمي القدرات العلمية للخلف الموجود الآن أمرا مناسبا، وفرصة تنموية مهمة ضائعة يجب التنبيه إليها، والعمل على تداركها.

 

أما من الناحية الاقتصادية فإن المدينة تتوفر على مقدرات زراعية هائلة، وثروة حيوانيّة كبيرة. ففيها أعظم وادي نخيل في منطقة الشرق الموريتاني، وهو وادي قرو، وفيها أراض خصبة كثيرة في أكثر من موقع، مثل بوقرفه، واعوينت الدق، واودي اجريد، واعوبنت ايدران، وغيرها كثير. وهناك مشاريع زراعية واعدة، وأعداد كبيرة من الأبقار والإبل والأغنام. وكل ذلك يجعل الاستثمار في الحقل الزراعي، (الحبوب، والخضروات، والأعلاف) وفي الحقل التنموي الحيواني (اللحوم والألبان ومشتقاتها) أمرا بالغ الأهمية، وذا أثر إيجابي كبير على سكان قرو، ومن هم حولهم، أو يتصلون بهم من قاطني أرياف ومدن الوطن الأخر. فمثلا، يمكن لمدية قرو أن تكون مصدرا لمادة التمور المهمة إذا استغل وادي قرو بشكل جيد بالطرق الحديثة لإنتاج هذه المادة. ويمكن لهذه المقاطعة أن توفر كميات كبيرة من الذرة والشعير والفول السوداني وأخري من الخضروات بمختلف أنواعها من بصل وبطاطس وطماطم وجزر وفلفل أخضر، وغير ذلك إذا استغلت أوديتها وسهولها العديدة وأنشأت بها سدود واستخدمت طرق للري العصري لذلك. كما يمكنها أن تنتج كميات كبيرة من اللحوم والألبان ومشتقاتها إذا انتبهت الجهات المعنية، من رجال أعمال من أبنائها وغيرهم، ومن الجهات الرسمية إلى الاستثمار في هذا القطاع الذي تتوفر مادته الأولية بشكل كبير في هذه المقاطعة.

 

وهناك مجال لا يقل أهمية عن ما ذكرنا حتى الآن، وهو المجال السياحي. فهذه المقاطعة موطن لمواقع طبيعية خلابة جدا، وخاصة في فترة الخريف، مثل لمسيلة، وموقع لخنك وقيطارة، ولبطيحات، وأم الكرعان… والعديد من الأماكن السياحية التي يمكن أن توفر مجالا للراحة والاستجمام إذا تم الاعتناء بها وشُيدت بها مرافق وبنية تحتية تجعل القادم إليها يجد متطلبات الاستمتاع والراحة متوفرة بها مثل أدوات النُزهات العائلية من أماكن مستصلحة للجلوس، وكراسي، وأرصفة لممارسة رياضة المشي، وأدوات للعب الأطفال.. وما إلى ذلك من ما يجعل تجربة الشخص السياحية ممتعة وباعثة علي الرغبة في العودة إلى المكان مجددا.

 

هذه فقط نماذج من الفرص التنموية الضائعة بالنسبة لمقاطعة قرو. وعلى المعنيين بالشأن العام من أبناء هذه المقاطعة من نواب وعمد ورجال أعمال وموظفين سامين وفاعلين سياسيين أن ينتبهوا لها ويتداركوا ما فات من إهمال لها حتى تتحسن الظروف المعيشية لسكان هذه المقاطعة، وحتى تقوم بدورها التنموي في إطار التنمية الشاملة للبلد.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *